تقييم السياسة النقدية لمواجهة أزمة اليورو «1 من 2»
إن تقييم استجابة السياسة النقدية غير التقليدية التي اتبعها البنك المركزي الأوروبي لمواجهة أزمة اليورو خلال الأعوام، تأخذنا لمناقشة هذه القضية إلى كواليس أزمة الديون السيادية في أوروبا التي نتج عنها التعهد الشهير الذي قدمه ماريو دراجي رئيس البنك المركزي الأوروبي في يوليو 2012 بالقيام "بكل ما يتطلبه الأمر" لحماية اليورو ـ وهو تعهد غير مسبوق كان يهدف إلى تهدئة حالة الذعر في السوق وإتاحة الوقت أمام صناع السياسات لمواصلة تنفيذ التزاماتهم بمكافحة الأزمة ـ وما تلا ذلك من تحد متمثل في إنعاش اقتصاد منطقة اليورو في وقت تسوده أسعار الفائدة السالبة.
فالحديث هنا أولا عن المناخ الذي كان سائدا في البنك المركزي الأوروبي في بداية عمل بيتر برايت -لقد بدأ العمل في البنك المركزي الأوروبي في يونيو 2011، بعد بضعة أعوام من بداية الأزمة، وأصبحت كبير الاقتصاديين في يناير 2012- لم يكن مريحا، حيث كانت هناك بيئة يسودها الذعر شبيهة بما عايشته خلال الأزمة المصرفية البلجيكية في عامي 2008 و2009. ولكن هذه المرة كان هناك ذعر في الأسواق. وفي هذه الحالات، يجب أن تكون مهيأ ذهنيا للأسوأ ومستعدا لاتخاذ إجراءات جريئة. كان أول قرار تمت مواجهته، يتعلق بما إذا كان ينبغي رفع أسعار الفائدة.
على الرغم من الأزمة المالية، ظل الاتجاه العام السائد آنذاك مؤيدا بشدة لتجنب آثار غير مباشرة محددة تتعلق بارتفاع أسعار النفط. وبلغ معدل التضخم آنذاك نحو 3 في المائة، وكانت هناك بعض الضغوط على الأجور. غير أن ذلك يمثل جزءا من القصة.
أما الجزء الآخر من القصة فقد تمثل في متابعة الأزمة المالية، وكانت لدينا توترات في أسواق الديون السيادية في ذلك الوقت أيضا. وأصبح الموقف في 2011 أكثر تقييدا بعض الشيء. وتم رفع أسعار الفائدة لأول مرة في الربيع، ثم تم رفعها للمرة الثانية في يوليو عندما بدأت العمل. لكن الأزمة المالية كانت لا تزال تعد في ذلك الوقت أمرا يمكن التحكم فيه عن طريق تقديم قدر كبير من السيولة للقطاع المالي. والآن نعلم أن الأمور لم تمض على هذا النحو.
وعندما أدركنا أن الأمور لم تكن تتحسن، حتى بعد أن بدأت أسعار النفط في الانخفاض فقد كان الوضع مختلفا تماما آنذاك.
ولذلك، بدأ الحديث عن إطار مختلف جذريا للسياسة النقدية، في ظل أوضاع كادت تصل إلى حد تراجع التضخم، أو أسوأ. وقد كان حجم التقدم الذي استطاع القادة الأوروبيون إنجازه فيما يتصل بخططهم لإنشاء اتحاد مصرفي، وجهاز موحد للرقابة في منطقة اليورو، وجدار واق للديون السيادية، أي آلية الاستقرار الأوروبية، لم يتسن تحقيقه إلا عن طريق البنك المركزي الأوروبي. ولم يستطع أحد إنهاء حالة الذعر في السوق في 2012 سوى ماريو دراجي.
بالطبع، جاء نجاحه في القيام "بكل ما يتطلبه الأمر" على خلفية اجتماع المجلس الأوروبي لرؤساء الدول والحكومات في يونيو بشأن وضع آليات إنشاء الاتحاد المصرفي وإدارة الأزمات. وكانت تلك هي الخلفية السياسية.
وإقرارا بفضل ماريو، إذا أردت إنهاء حالة من الذعر، لا بد أن تتمتع بمهارات عالية في التواصل. ويجب أن تكون قادرا على إقناع الأسواق. وكان اختيار عبارة القيام "بكل ما يتطلبه الأمر" اختيارا موفقا.
مع نهاية 2012 كانت حالة الذعر قد انتهت. وبالطبع نشأ عن ذلك شعور بالارتياح. وأثبت ذلك أنه يمكن فعل أشياء لتغيير مجرى الأحداث والسيطرة عليها. وأعتقد أن ذلك كان عنصرا مهما للغاية في تحفيزنا على المضي قدما في عملنا.