الاستراتيجية الرقمية عند العميل وإجراءات التكنولوجيا
لاحظت أن عديدا من الشركات تستخدم المصطلح الشائع "التحول الرقمي" دون أن يكون لديها الفهم الكافي للمعنى الذي يحمله. الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية لوضع العمليات التنظيمية وزيادة الكفاءة قد يزيد من هامش الربح في المدى القصير. ولكن التحول الرقمي الصحيح يمنح ميزة دائمة من خلال إحداث ثورة بتجربة العملاء في جميع نقاط التواصل الرقمية.
لإيضاح ذلك لا توجد شركة أفضل من "تلينور بانكا" الصربية التي تقدم خدمات مصرفية عن طريق الهاتف المحمول، التي تم افتتاحها في سبتمبر عام 2014. مجموعة تلينور كما هو معروف عنها، ليست لاعبا في قطاع المصارف بل شركة اتصالات مملوكة أغلبيتها من قبل الحكومة النرويجية. ولم يكن ذلك أول مساعي "تلينور" المصرفية – حيث طرحت في باكستان خدمة "إيزيبايسا" على نطاق واسع بالشراكة مع بنك تعمير مايكروفاينانس - ولكن لم يتوقع أحد نجاحها سريعا بهذا الشكل. استغرق الأمر تسعة أشهر فقط لتبني "تلينور" خدماتها المصرفية عن طريق الهاتف المحمول، وبنهاية عامها الأول في السوق، نجحت الخدمة في ضم 140.000 عميل على وجه التقريب في بلد يبلغ عدد سكانه سبعة ملايين نسمة فقط. في دراسة أجريتها حديثا، "تلينور: أعادت صياغة مفهوم الخدمات المصرفية للأفراد في صربيا"، تصف الدراسة دور التكنولوجيا الجزئي بنجاح شركة تلينور. فالخدمة نفسها قد يكون مصيرها الفشل في حال تم تنفيذها وتسويقها بشكل مختلف في صربيا. تستحق "تلينور" الثناء على مجموعة القرارات التسويقية الذكية التي اتخذتها، التي تضع العميل على رأس أولوياتها.
بداية من قرارها بالعمل في صربيا. وجدت "تلينور" أن القطاع المصرفي في البلاد يحتاج إلى تحديث، حيث تسيطر أكبر خمسة مصارف صربية فقط على 48 في المائة من حصة السوق. وكان العملاء يفتقرون إلى الولاء لسبب وجيه: سوء سمعة قطاع الصيرفة في صربيا، والانتشار الضعيف لفروع المصارف، وطول فترة الانتظار، وكثرة المعاملات الورقية، التي كانت مزعجة بالنسبة للجميع، خاصة مع التوجه السائد في صربيا نحو الحياة المدنية والمهنية، ولا سيما في ظل النمو السريع الذي كانت تشهده.
تقدم قصة "تلينور بانكا" ثلاثة طروح رئيسة للاعبين الآخرين في العالم الرقمي:
1 - علمت "تلينور" منذ البداية أنه ليس جميع الصربيين جاهزين للخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول. ففي بلد صغير جدا، الهدف بجذب الأغلبية يبدو كنهج سائد بالفطرة. هذا من شأنه أن ينطوي على خدمة متوسطة المستوى، على سبيل المثال، بنك الأفراد التقليدي مع وجود خدمات متميزة للهاتف المحمول، أو خدمات مصرفية حصرية عن طريق المحمول ودون وجود فروع فعلية. بدلا من ذلك، استهدفت "تلينور" شريحة صغيرة من السكان، الذين على الأرجح سيرغبون في خدماتهم وهم: الأشخاص البارعون في التكنولوجيا، والحضريون، وعشاق الحياة المترفة، عوضا عن العائلات وسكان الريف المتعلقين بالتقاليد.
وكما كان متوقعا من "تلينور"، فإن هؤلاء العملاء يشكلون سفراء مثاليين للعلامة التجارية، يمررون رسالتهم لأقرانهم بشكل سريع عبر وسائل الإعلام الاجتماعي. وفي حال لم تكن الخدمة على درجة كبيرة من الابتكار فلن يكون لها على الأرجح صدى بالقوة نفسها على هذه المجموعة. النتيجة: "جزِّئ عملائك إلى شرائح، وتوجه لشريحة الجمهور المعجبين بخدماتك، ومن ثم اتركهم يقومون بنشر تجربتهم للشريحة الأكبر". عادة ما أخبر الطلاب بأن التطورات التكنولوجية مثل التجارة الإلكترونية وتطبيقات الجوال صنعت فضاء من المنافذ لا حصر لها. وهي عالم من الفرص لجذب شرائح سوقية حتى الصغيرة منها، من خلال منتجات مميزة صممت لتلبي حاجاتهم. في كثير من الأحيان يعتبر اتباع استراتيجية (ضيقة وعميقة) أكثر قدرة على البقاء من (الضحلة والواسعة)، خاصة عند التعامل مع المجموعات على الإنترنت. تركيز "تلينور" على قطاعات معزولة لمجموعة متنوعة من السكان، سهل عملية اتخاذ القرارات الحاسمة. على سبيل المثال، كانت الشركة على دراية بأن شريحة الجمهور المستهدف تنظر للعلامة التجارية بشكل إيجابي، كمزود خدمة موثوق وآمن، لذلك عمدت إلى توصيف علامتها التجارية بخدمات "تلينور". وقللت من احتمال نقل صورة سلبية عن العلامة التجارية في حال فشلت تجربتها، عن طريق استهداف شريحة صغيرة إلى حد ما.
2 - تسويق نمط حياة، وليست تكنولوجيا. لم يشدد الإعلان التلفزيوني الأول لـ "تلينور بانكا" على التطبيق، وصور بدلا من ذلك عملاء يستمتعون بوقت فراغهم الذي أصبح متاحا بفضل تسهيلات الخدمة المصرفية عبر الهاتف المحمول. "قم بزيارة صديق، وليس أحد فروع البنك" كان شعار أحد الإعلانات. وشعار الإعلان "بسيط وآمن في أي مكان"، تبلورت رسالته بأن فتح حساب في شركة تلينور بانكا يساعد الأشخاص على العيش بحرية أكثر والاستمتاع بحياتهم. وترك الإعلان الأشخاص ليبحثوا بشكل أكبر عن المزايا والمنافع التي سيحصلون عليها جراء فتحهم حسابا.
استطاعت "تلينور بانكا" بناء علامة تجارية قوية في وقت قصير بوجود خطة تسويقية قوية وتنفيذها بشكل جيد، وحصلت في تقييم رضا العملاء عن الخدمة على نسبة 67 في المائة بعد أربعة أشهر من إطلاقها. أدركت الشركة أن العلامات التجارية أكثر أهمية في العالم الرقمي، وذلك لأن العميل: يتوقع الأفضل، ويملك المعرفة الكافية، ويثق بخبرة أقرانه، ويوجد لديه عديد من الخيارات، كما يستطيع التعبير عن رأيه، ويشارك في بناء العلامات التجارية.
يجب تبسيط إجراءات العمل، عند تحويل تجربة العملاء إلى الرقمية. على سبيل المثال، الغرض الأساسي من الخدمة المصرفية التقليدية للأفراد، جعل عملية إدارة الأمور المالية بالمهمة السهلة. وبدلا من ذلك، لا يزال عديد من المصارف يدير عملياته في مكاتب مغلقة وبطريقة معقدة. يرغب العميل اليوم في العالم الرقمي بتجربة متناسقة وسلسة عبر جميع نقاط التواصل، ويبدأ بالبحث عن بدائل عن ظهور تعقيدات.
التركيز على الإجراءات، والتكنولوجيا، ووضع نماذج جديدة للأعمال، وما إلى ذلك، لن يكون له أثر يذكر في حال لم يتم التركيز على العميل عند وضع الاستراتيجية الرقمية. فإذا لم تضع عميلك على رأس أولوياتك، فسيكون ذلك بمنزلة دعوة للمنافسين من كل حدب وصوب.