مدرسة ومعلم المستقبل
في مقال الأسبوع الماضي تناولت يوم المعلم الذي يحتفى به على مستوى العالم وأشرت إلى "مؤتمر معلم المستقبل" الذي نظمته كلية التربية في جامعة الملك سعود بحضور عدد من المتخصصين في مجال إعداد المعلم والبرامج المتاحة، إلا أنه من الأهمية بمكان تناول ما أثير في المؤتمر لإيماني العميق بأهمية الدور الذي تقوم به التربية في تطور ونمو أي مجتمع في المجالات كافة، والمدرسة والمعلم لهما دور لا يستهان به. مخطئ من يظن أن مقارعة الدول الأخرى ومواجهة التحديات المحيطة والمتزايدة، تتحقق بلا مدرسة مهيأة لهذا التحدي بعناصرها كافة.
في عام 1422هـ استشعارا بالمسؤولية مني وزملائي في كلية التربية، عقدنا ندوة بعنوان "مدرسة المستقبل". حاولنا من خلال البحوث والدراسات التي عرضت استشراف ما يجب أن تكون عليه المدرسة، على أمل أن نسهم في تحقيق الريادة لوطننا، وذلك من خلال فكر متكامل يأخذ في اعتباره جميع المتغيرات ذات العلاقة من تطور تقني، ونمو معرفي هائل، ومكونات اجتماعية وثقافية لها مساس بالتربية، ولها آثار إيجابية أو سلبية يلزم أخذها في الاعتبار من قبل المخطط التربوي. وحيث مضى على تلك الندوة ما يربو على 15 عاما، إلا أن ما تم طرحه في تلك الندوة نجد تكراره في الوقت الراهن تحت عنوان حوسبة التعليم والمقررات الإلكترونية، وبيئة المدرسة، وتقنية التعليم، وتمهين التعليم، كل هذه تمثل مائدة الندوة.
من مائدة مؤتمر معلم المستقبل طرح الضيوف أفكارا طالما كتبنا عنها وطرحناها في المؤتمرات والندوات، وفي النقاشات الفكرية إلا أن بيروقراطية الجهات المعنية وآلية اتخاذ القرار، ونظمها السائدة تعوقها عن مسايرة المستجدات والقفز نحو الأمام بوثبات ثابتة، لكنها في الوقت ذاته تتمتع بالدافعية العالية، والأخذ بكل جديد في حقل التربية والتعليم. استوقفتني عبارة ذكرها أحد المتحدثين من فنلندا حيث قال "إن النجاح الذي حققه نظام التربية والتعليم الفنلندي يفترض ألا يصرف انتباهنا عن حقيقة أن الطلاب الفنلنديين يمشون على البحر في جزء من السنة"، في إشارة إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار الاختلافات الاجتماعية والبيئية والثقافية. البيئة المحيطة بالمدرسة يجب أخذها في الاعتبار من قبل المدرسة وهيئتها الإدارية والتعليمية وذلك من خلال شبكة علاقات يتم نسجها بين المدرسة والمجتمع.
حضور المجتمع داخل المدرسة، بما يوجد فيها من إيجابيات وسلبيات كافة، وما يواجه من مشكلات، أيا كانت اقتصادية، أو سلوكية، أو ثقافية، أو سياسية، يمثل منطلقا تربويا عمليا منذ مرحلة التمهيدي حتى المرحلة الجامعية لربط الطالب الذي سيتخرج ليخدم مجتمعه بأسلوب علمي رصين، فهو قد عرض واقع مجتمعه، وقضاياه على النظريات، والنماذج بالمناقشة والتفكير في الحلول، إذ لا يجد حواجز تمنعه من طرح القضايا ومناقشتها دونما تردد أو توجس.
قدرة المدرسة على التكيف مع الطالب كانت إحدى الأفكار التي طرحت في المؤتمر، وقد سبق لي طرحها في هذه الزاوية بمقال حمل عنوان "متى تكون مدرستنا جاذبة"، وما من شك أن سعي المدرسة للتكيف مع ظروف الطالب النفسية، والعقلية، والبدنية يمثل دورا، بل ركيزة من ركائز مهمات المدرسة، ويجب عليها ألا تنتظر حتى يتكيف الطالب معها. وهذا لا يتحقق ما لم تكن بيئة المدرسة من الجودة التي تمكنها من إحداث الشوق لدى الطلاب نحو مدرستهم وحنينهم إليها بدلا من الشعور بالنفور والفرح بالإجازة.
المجتمع له دور في الرفع من جودة وكفاءة المدرسة، وهذا يتطلب إيجاده آلية رقابة وتقويم منظم لأداء المدرسة والمعلمين مع الثقة في الوقت ذاته بالمعلمين، لكن تحقق الأهداف المرسومة هو المحك الذي في ضوئه يمكن الحكم على المدرسة ومعلميها.
جودة المعلم تتحقق من خلال جودة البرامج التي تقدم له أثناء إعداده، أو من خلال برامج التدريب أثناء الخدمة، ولا يمكن الاعتماد على اختبارات الكفاية التي يأخذها المعلمون، وفي ضوئها تتخذ قرارات مهمة بشأنهم، مثل التوصية بالاستمرار في المهنة، أو الحصول على علاوة، وما إلى ذلك، وقد عبر "بيرنر" بقوله ليس أخلاقيا، ولا قانونيا الاعتماد على الاختبارات القائمة على نموذج القيمة المضافة لاتخاذ قرارات مهمة بشأن المعلمين، وهذا ما ذكرته "ترودي بانتا"، وقد أعطت نسبا توضح أهمية كل عامل في العملية التربوية، وتكشف هذه النسب أهمية وتأثير العوامل خارج المدرسة دون تجاهل لدور المدرسة والمعلم.