مزاعم إيران الباطلة .. ودورها العدواني في المنطقة
نتائج التحقيق الأولية لخلية العبدلي التي ألقي القبض عليها في الكويت أخيرا، ثبت أن في حوزتها أكثر من 20 طنا من الذخائر والمتفجرات، وأن من أهدافها القيام بسلسلة أعمال إرهابية كفيلة بتدمير الدولة، وتؤكد هذه الواقعة المشينة أن إيران تحرك أصابع الإرهاب في منطقتنا العربية، بل أكثر من هذا فإن التحقيقات الأولية أكدت الأخبار التي تقول إن أطماع إيران في الخليج العربي حقيقة لا شك فيها.
ولا أريد في هذا المقال أن أشكك في الدور الأمريكي لأن موضوع المقال لا يناقش هذا الدور، ولكن يجب أن نتعامل مع الولايات المتحدة في علاقاتها مع إيران بحيطة وحذر، لأن إيران وإسرائيل ـــ وفقا لما قاله هنري كيسنجر في كتابه World Order ـــ ضلعان أساسيان في الاستراتيجية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط.
إذن نعود إلى إيران ونؤكد للذين ينتقدون قيام المملكة بتنفيذ عاصفة الحزم، أن المملكة اتخذت هذا القرار الشجاع بناء على معلومات موثقة وحقائق دامغة ونفذت العاصفة في الوقت المناسب، لأن إيران وصلت إلى الأبواب الشرقية من الحدود الدولية للمملكة، كذلك وصلت إلى الأبواب الجنوبية في جبهة تمتد لأكثر من 1500 كيلو متر، وكان الهدف هو وضع الأراضي السعودية بين فكي كماشة، ولكن القيادة السعودية الحكيمة تنبهت إلى المخططات الفارسية اللعينة، وقامت بدك حصونها واجتثاثها وتلقينها درسا لن تنساه.
ويعتبر المفكر الكويتي الدكتور عبد الله النفيسة من أكثر المتابعين للمخطط الفارسي، وكثيرا ما نبه وحذر من هذا المخطط، وفي آخر تصريحاته قال النفيسة إنه كان في زيارة لإيران ضمن وفد مجلس الأمة الكويتي، فالتقى مصادفة الرئيس روحاني حينما كان رئيسا للجنة حفظ النظام بمجلس الشورى الإيراني، فقال له روحاني في تحدٍّ سافر: إن إيران لديها خريطة جديدة للخليج الفارسي، وإن كثيرا من الدول التي تسمي نفسها دول الخليج العربية لن تكون في الخريطة بل ستختفي، وسنضمها إلى إيران حتى دولتكم الكويت، فقال له الدكتور النفيسة: تريدني أن أبلغ رئيس الوفد الكويتي بهذا التصريح، فقال روحاني في صفاقة وتحدٍّ: أرجو أن تبلغ أمير البلاد بذات نفسه وليس فقط رئيس الوفد.
وأنا لي قصة قريبة من قصة الدكتور النفيسة، فقد شرفت بأن أكون ضمن الوفد الإعلامي السعودي المرافق للملك خالد بن عبد العزيز الذي كان يقوم بزيارة لإيران في عهد الشاه، وكان البرنامج يتضمن زيارة وزير الإعلام الإيراني، وفى الموعد المحدد استقبلنا الوزير في مكتبه، وتبادلنا عبارات الترحيب والمجاملة ولكن فجأة انحرف الوزير إلى الكلام بحماسة إيرانية إلى تاريخ إيران الإسلامية، وقال إن إيران دخلت الإسلام من بوابة الزرادشتية الفارسية وليس من بوابة العروبة، وظل يجلل الحضارة الفارسية قبالة البداوة العربية، وعبثا حاولنا مقارعته بالحضارة الإسلامية العربية التي يتصدرها ديننا الإسلامي الحنيف إلا أن وزير الإعلام الإيراني كان مؤدلجا وجاهزا لتوصيل رسالة فارسية ذات معالم عدائية للعرب.
نفهم من هذا أن هناك غلا فارسيا تاريخيا يعشش في النفس البشرية الإيرانية ضد العرب منذ معركة القادسية المباركة التي اندلعت في 636 وحتى اليوم، وإلى ما شاء الله، وعلينا أن نتفهم هذا الآن وفي كل آن!
إن الوجود الفارسي الحالي في أربع عواصم عربية صنعاء وبغداد وبيروت ودمشق يعتبر انتهاكا صارخا لمبادئ السلم والأمن الدوليين، كما أنه يعتبر تهديدا مباشرا ضد سيادة واستقلال هذه الدول، كذلك فإن دعم المنشقين للخروج على الشرعية في أي دولة عربية يعتبر خروجا على مبادئ الأمن والسلم الدوليين وانتهاكا فاضحا وصريحا ضد قوانين المجتمعين الدولي والعربي. كل هذه المواقف الإيرانية العدائية ضد الأمة العربية .. تستوجب على الدول العربية اتخاذ كل الوسائل المشروعة من أجل حماية أمنها وسيادتها واستقلالها ضد التهديدات الفارسية السافرة والمستمرة.
ومن هنا جاءت مبادرة السعودية ودول الخليج بتشكيل عاصفة الحزم للقيام بعمليات عسكرية تستهدف إعادة الشرعية إلى اليمن، وتمنع التجاوزات والتهديدات التي قام بها الحوثيون في اليمن ضد الحدود الدولية للمملكة العربية السعودية.
إن دعم إيران للحوثيين ضد الحكومة الشرعية، وكذلك إثارة القلاقل في عواصم أربع دول عربية مع احتلال ثلاث جزر للإمارات "طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبي موسى" مع مواصلة التهديد المستمر للبحرين والكويت، وكذلك تهديد إيران المستمر لدول الخليج بحجة إطلاق اسم الخليج العربي على الخليج الفارسي .. يعتبر تهديدا صريحا وواضحا لسيادة هذه الدول العربية التي يحميها القانون والمجتمعان الدولي والعربي.
ونؤكد لإيران أن الوجود العربي في الجزيرة العربية والخليج سبق الوجود الفارسي، ويؤكد الكثير من المصادر العلمية أن القبائل التي استوطنت شواطئ الخليج العربي الجنوبية والشرقية كلها كانت قبائل عربية، وترتب على ذلك أن الأسماء التي عرفت بها المدن الواقعة على سواحله مثل المحمرة وتاروت وجزر موسى وقيس والشيخ شعيب وغيرها كانت هي أيضا أسماء عربية، وما زال الكثير منها حتى الآن يحتفظ بالجنس العربي واللسان العربي والانتماء العربي رغم أن الفرس غيروا ـــ عبر التاريخ ـــ الكثير من المعالم والأسماء العربية في الضفة الشرقية من الخليج، وآخر ضحايا العدوان الفارسي على الإمارات العربية وليس آخرا هو الانقضاض على المحمرة الذي قام به في عام 1925 شاه إيران الأب واعتقل على أثره الزعيم العربي غزعل علي الذي ما زال مصيره سرا من أسرار الحكومة الشاهنشاهية البائدة، ثم أخيرا احتلال حكومة الملالي جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، إضافة إلى جزيرة أبي موسى الإماراتية.
لقد كانت الجزيرة العربية منذ آلاف السنين هي الوطن الدائم لهذه الشعوب العربية، وهي بمناخها ووضعها الجغرافي كونت البيئة الطبيعية لها، وطبعت بدايات حضاراتها بطابع متماثل، وتأثير البيئة الطبيعية أساسي، خاصة في الفترات الأولى من التكوين الحضاري، وهذه الشعوب كونت الحضارات الأولى في البلاد الخصيبة إلى الشمال، وبقيت لغات من خرج من الجزيرة متماثلة الأصول ومتقاربة ولم يغب هذا المفهوم عن المفكرين المنصفين عربا وفرسا، فقد أشار المسعودي إلى وحدة الأصول واللغة، حيث أكد أن أمة واحدة سكنت العراق والشام والجزيرة الفراتية والجزيرة العربية، وأن الشعوب الآشورية والبابلية والآرامية والعربية هي "الكلدانية"، وأن لسانها كان واحدا وأن العربية من أقربها إلى الأصل.
إن كثيرا من القبائل العربية كانت تسكن بلاد الشام قبل الفتح الإسلامي بآلاف السنين، فالكنعانيون هم من جذور عربية، والأنباط من العرب العدنانية الذين هاجروا إلى فلسطين وأطراف الجزيرة منذ سنة 500 قبل الميلاد، وسكنوا حول البحر الميت، والعموريون سكنوا العراق، ومنهم سيدنا إبراهيم الخليل.
هذه الحضارات العربية وهذا الوجود العربي الواضح في شبه الجزيرة العربية وفي الخليج العربي سبق الوجود الفارسي بمئات السنين بل بآلاف السنين.
ورغم أن بعض المصادر الغربية دأبت على إطلاق اسم الخليج الفارسي على الخليج العربي اعتمادا على الاحتلال الفارسي المتأخر للخليج الذي أعقب فترات الحكم العربي الأول، إلا أننا نلاحظ أن المؤرخ الروماني بليني استخدم في القرن الأول للميلاد مصطلح الخليج العربي، وذلك في وصفه لمدينة خاراكس التي يرجح الباحثون أنها مدينة المحمرة، وقال بليني بالنص: خاراكس مدينة تقع في الطرف الأقصى من "الخليج العربي"، حيث يبدأ الجزء الأشد بروزا من العربية السعيدة وهي مبنية على مرتفع ونهر دجلة إلى يمينها ونهر أولاوس إلى يسارها.
في ضوء ذلك فإن مزاعم إيران التاريخية باطلة، ولا تبرر قيامها بأعمالها العدائية واحتلالها جزر الإمارات الثلاث "طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبا موسى"، وانتهاء بإرسال المال والسلاح للمعارضين والممالئين في البحرين وفي الكويت كي تسود الاضطرابات والفوضى في بلد خصه الله ـــ سبحانه وتعالى ــــ بنعمة الاستقرار والسلام.