«كورونا» .. ومحك التعاون بين القطاعات المعنية
تعرضت مدينة الملك عبد العزيز الطبية في الرياض لكثير من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن رفعت الشؤون الصحية في الحرس الوطني إجراءات التحوط لـ "كورونا" للمرحلة الثالثة من الإجراءات الحمائية التي تتضمن تأجيل استقبال الحالات المرضية التي تتقبل التأخير، مع تحويل الحالات الإسعافية الطارئة لمستشفيات الرياض وذلك لاحتواء ومنع انتشار فيروس كورونا داخل المدينة الطبية حرصا على سلامة مراجعي المدينة الطبية بعد تسجيل عدد من الحالات داخلها بين المرضى والممارسين الصحيين.
الجميل أن إدارة الشؤون الصحية في الحرس الوطني رغم هذه الهجمة ورغم ما تتحمله من مشكلات متعددة نتيجة فتح أبوابها لاستقبال الحالات المرضية من غير منسوبي الحرس الوطني، ومن ذلك انتشار "كورونا" في المدينة الطبية، إلا أنها ما زالت مصرة على سياستها المعروفة في عدم إقفال الأبواب كما يفعل كثير من المستشفيات المتخصصة في علاج منسوبي الجهات التي تتبع لها فقط. هذا بكل تأكيد يحسب لقيادة الحرس الوطني التي لا تألو جهدا من خلال أجهزتها كافة لخدمة الوطن والمواطن في المجالات الصحية والثقافية وغيرها.
قرار الشؤون الصحية رفع الإجراءات الوقائية للمرحلة الثالثة وتداعيات هذا القرار وإصرار الشؤون الصحية على تطبيق سياستها في فتح أبوابها لكل الحالات من غير المنسوبين، حفزتني للكتابة بشأن ضرورة تعزيز التعاون بين قطاع الصحة وسائر القطاعات الرئيسة كما أوصت بذلك منظمة الصحة العالمية في بيانها الصادر في 17 حزيران (يونيو) 2015، على أن يكون هذا التعاون على أسس ومعايير دولية خصوصا ونحن نعيش زمن العولمة الاتصالية والاقتصادية حيث انتقال المعلومات والأفراد أصبح سهلا وميسرا بشكل كبير.
ولنأخذ من إصرار الشؤون الصحية في الحرس الوطني على معالجة جميع الحالات الطارئة بما في ذلك الوافدين في إطار مسؤوليتها تجاه خدمة المجتمع نموذجا للتعاون إذ يجب ألا يقل مستوى اهتمام وتعاون جميع الجهات ذات الصلة بالوقاية من "كورونا" ومعالجته عن ذلك، فـ "كورونا" مرض قاتل من المحتمل أن يصيب أيا منا ولا يفرق بين رئيس ومرؤوس وبين غني وفقير. علينا أن نعي أن الـ 520 شخصا الذين قضوا بسبب هذا الوباء ليسوا أرقاما بل هم بشر لهم حقوق ومرتبطون بشبكة علاقات إنسانية متعددة تركوا وراءهم أيتاما وأرامل ومعولين وبالتالي فالموضوع له أبعاد إنسانية إضافة إلى أبعاده الصحية.
لنأخذ أسباب انتشار المرض كما ذكرته منظمة الصحة العالمية وهي نقص الوعي بين العاملين في مجال الرعاية الصحية وعامة الناس فيما يتعلق بفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وعدم بلوغ تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها المستوى الأمثل في المستشفيات، والمخالطة القريبة والمطولة للمرضى المصابين بعدوى "كورونا" في أقسام الطوارئ المكتظة، والغرف المتعددة الأسرة في المستشفيات، وسعي المريض إلى الحصول على الرعاية من عدة مستشفيات، وعادة بقاء عديد من الزوار أو أفراد الأسر مع المرضى المصابين بالعدوى في غرف المستشفيات، ما يسهل انتشار العدوى الثانوية بين المخالطين، وإذا أضفنا لها مخالطة الحيوانات الحاضنة للفيروس كالإبل كما ذكر كثير من التقارير الطبية، يتضح لنا بسهولة ما الجهات التي يجب أن تتعاون وتتكامل وتنسق الجهود للقضاء على هذا الوباء قبل استفحاله مرة أخرى وقبل أن يحصد المزيد من الضحايا؟.
سرني ما نشرته "الاقتصادية" في 29/8/2015 بشأن تعاون وزارة الصحة وتنسيقها مع الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، بإقامة برامج إرشادية وتوعوية للمصلين عن فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية "كورونا"، وذلك ضمن خطة يشارك فيها أئمة وخطباء المساجد ولا شك أن المساجد أحد أهم أماكن انتقال الفيروس، حيث يصلي الكثير ممن يصابون بالزكام ولا يجدون توجيها للصلاة بالمنزل أثناء فترة الزكام الذي قد يكون من الأنواع الضارية مثل "كورونا".
هذا النوع من التعاون نتطلع إلى أن يتوسع ليشمل قطاعات النقل كالطيران والنقل الجماعي، ويشمل وزارة الزراعة والبلديات بشأن التعامل مع الإبل المصابة والحاضنة للفيروس دون تراخ أو هوادة فحياة الإنسان أغلى من أي شيء كان، ويشمل وزارة التعليم على مستويات التعليم العام والمتوسط والعالي، إضافة إلى الشركات الكبرى والمصارف التي يعمل بها أعداد كبيرة من الموظفين. نعم، يجب أن نتكاتف ونتعاون وننسق جميعا للقضاء على هذا الوباء، وأن يكون على رأس كل ذلك المستشفيات والمراكز الصحية التي يجب أن تتخذ إجراءات احترازية كبيرة ولوحات إرشادية لتوجه كل من هو مصاب بالزكام لخيام طوارئ خارج المستشفى أو المركز الطبي يكون مجهزا بكل التجهيزات الوقائية والعلاجية.
أذكر أن أمانة منطقة الرياض دهمت سوق الطيور عندما وصلت إليها معلومة شبهة حول وجود طيور مصابة بإنفلونزا الطيور وأعدمتها كلها حفاظا على حياة الإنسان ولقد كان تصرفا حاسما وحازما وراقيا. إن مثل هذه الحزم والحسم مع "كورونا" من قبل الأمانة والجهات الأخرى ذات الصلة بالوقاية من هذا الوباء القاتل الذي تثبت الإحصاءات إلى الآن أن أكثر من ثلث الإصابات المؤكدة مصيرها الموت خصوصا من الفئات العمرية المتقدمة. بكل تأكيد نتطلع إلى حملة فاعلة للوقاية من انتقال الفيروس من الإبل الحاضنة للفيروس خصوصا بعد أن أكدت وزارة الزراعة قطعية العلاقة.
يجب أن نستفيد من وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة ببث الرسائل التوعوية الجاذبة، وأن يخصص لذلك الموازنات وفرق العمل المحترفة لإدارة المحتوى الجاذب الفعال المؤثر في مواقف وسلوكيات المواطنين والمقيمين وبأكثر من لغة.
ختاما، كلي ثقة بأن اللجنة الوزارية التي شكلت من المباحث الإدارية ووزارات "الخدمة المدنية ـــ المالية ــــ الصحة" وهيئتي التحقيق والادعاء العام والرقابة وديوان المراقبة العامة، للتحقيق في ملابسات تفشي فيروس كورونا، وتحديد المسؤولين عن ذلك، تمهيدا لاتخاذ الإجراءات النظامية بحقهم ستلعب دورا كبيرا في إعادة هيكلة التعامل الجاد مع "كورونا".