البحث عن شماعة

البحث عن شماعة

تبدو قائمة الأسباب التي طرحها المشرعون الأمريكيون تبريرا لخطوتهم تعديل قانون شيرمان بما يمكن من مقاضاة الدول الأعضاء في منظمة "أوبك" بتهمة رفع أسعار النفط وكأنها تجميع لكل ما يمكن أن يثير الانتباه وحشد الأنصار وتسهيل ذلك عبر ربط "أوبك" بكل ما يمكن أن يلتقي السلبي والشرير في الذهنية الأمريكية، والقيام بإحدى الممارسات الأمريكية التي صارت تقليدية، وهي إعطاء رسالة إلى الرأي العام المحلي بوجود تحرك ما في مواجهة مشكلة ما، بينما في الواقع العملي لا شيء يحدث.
فـ "أوبك" متهمة بأنها قامت بحظر نفطي في عام 1973 ردا على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل التي تعرضت لهجوم عربي عليها، و"أوبك" متهمة بأنها فشلت في زيادة إنتاجها في عام 1980 للتخفيف من انقطاع الإمدادات الإيرانية، و"أوبك" فشلت في زيادة إنتاجها في عام 1990 عندما غزا الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين الكويت، والدول الأعضاء في "أوبك" متهمة بأنها تقفل أبواب اقتصادياتها النفطية أمام الاستثمارات الأجنبية وبصورة أكثر تحديدا فهي لا تسمح لشركات النفط الأجنبية بأن تستثمر في قطاعات النفط والغاز فيها، بل ووصل الأمر إلى اتهام دول "أوبك" بأنها تستخدم عائداتها النفطية في تمويل الإرهاب, إلى غير ذلك.
النقطة الأساسية في هذا الاتجاه البحث عن شماعة خارجية لمواجهة متاعب داخلية. صحيح أن الولايات المتحدة هي القطبية الوحيدة في العالم، وصحيح أن اقتصادها هو أكبر اقتصاد في العالم، وبالتالي يفترض أن تكون هي المؤثرة لا بضع دول تسجل كلها في خانة الدول النامية تشكل عائدات النفط بالنسبة لها شريان الحياة.
لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان وأثر الصدمة النفطية الأولى التي أشعرت المواطن الأمريكي العادي بأنه ليس مستغنيا عن هذا العالم والخطط تترى عبر مختلف الإدارات في كيفية تقليص اعتماد الولايات المتحدة على الواردات النفطية الأجنبية لاستمرار دورة الحياة فيها بصورتها المعتادة، وهذا مربط الفرس فالحياة الأمريكية المفرطة في استهلاكيتها لها القدرة على إحالة أي خطط يمكن وضعها على الرف، بدليل أن الاعتماد على النفط الأجنبي في تصاعد وقد تجاوز 60 في المائة، وليس أمام الساسة ما يفعلونه سوى تحميل جهات خارجية عبء دفع الجمهور ثلاثة دولارات مقابل جالون الوقود الذي تستهلكه سياراتهم.
فمع بداية موسم الربيع تتصاعد الحملات ضد جهة ما بسبب الارتفاع في سعر الوقود الذي يتلازم مع زيادة نشاط قيادة السيارات خلال فصلي الربيع والصيف. الخيار الأول هو الشركات النفطية، وهذه قامت بالتركيز على أن سعر النفط الخام يلعب دورا أساسيا في تحديد سعر الوقود للمستهلك، وهو ما أدى إلى تنشيط لجهود متعددة للعمل على تعديل قانون شيرمان بما يسمح بمقاضاة دول "أوبك" بممارسة الاحتكار ورفع الأسعار.
البديل يتمثل في مصارحة المواطنين بالحقيقة وأن عليهم دفع تكلفة استهلاكهم العالية واستخدامهم المفرط سيارات عديدة في كل منزل، لكن بما أن الساسة يحتاجون إلى أصوات المستهلكين في الانتخابات المتتالية، فليس لأحد الجرأة على الحديث بصراحة، ولهذا يصبح من السهل اللجوء إلى خيار تحميل جهة أخرى وحبذا لو كانت أجنبية مسؤولية متاعب نمط الحياة الأمريكية.
لكن ليس لأحد إخبار الولايات المتحدة ما ينبغي لها عمله. وقد لا يكون عمليا الطلب من القطبية الوحيدة في العالم الشيء نفسه، لكن على الأقل أن تتصرف في حدود المنطق والمعقول.
وليس أدل على ذلك من مناقشة بعض الأسباب التي تذكر لتأكيد مسؤولية "أوبك" على المتاعب التي يعانيها المستهلكون الأمريكان مثل عدم زيادة الإنتاج لمقابلة الانقطاع لأسباب مختلفة مثلما حدث عند غزو الكويت أو اندلاع الثورة الإيرانية ففي خضم معمعة توجيه الاتهامات لا يتوقف أحد للإشارة إلى أنه لا يمكن زيادة الإنتاج وخفضه ببساطه، لأن العملية تحتاج إلى تخطيط وتنفيذ طويل الأمد لرفع الطاقة الإنتاجية ولهذا كله لا يبدو أن أحدا معني بمن يتحملها كما أنها تحتاج إلى تقديرات إن لم نقل التزامات بوجود حد معين من الطلب حتى يمكن تلبيته.
لكن بعض الأصوات العاقلة بدأت ترتفع سواء على المستوى الفردي في المؤسسة التشريعية كبعض النواب الذين أشاروا إلى توقع قيام دول "أوبك" بمعاملة الولايات بالمثل إلى بعض المؤسسات المؤثرة مثل مجلس الغرف التجارية التي تضم في عضويتها أكثر من ثلاثة ملايين فرد ومؤسسة أعلنت في خطاب مفتوح معارضتها للخطوة التي تنتهك مبدأ السيادة الوطنية، وهي سابقة لن يقتصر أثرها على الدول الأعضاء في "أوبك" أو على النفط وحده وإنما يمكن أن يصل إلى الولايات المتحدة التي تعرض أحيانا دعما على المزارعين كي لا يزرعوا بعض المحاصيل في بعض الأعوام حتى لا تهبط أسعارها.
الإدارة الأمريكية الأكثر التصاقا بالواقع أعلنت أنها ستمارس الفيتو في مواجهة القرار، لكن المشكلة تظل قائمة لارتباطها بالممارسة الأمريكية التي لم تتغير بعد.

[email protected]

الأكثر قراءة