«الزكاة والدخل» والتنمية المستدامة

تعرف التنمية المستدامة بأنها "عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات وكذلك الأعمال التجارية بشرط أن تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال على تلبية حاجاتها"، وهذا يعني أن مفهومها يتضمن تلبية احتياجات الجيل الحالي دون إهدار حقوق الأجيال المقبلة في مستوى حياة كريمة في ظل نمو اقتصادي، وتنمية اجتماعية، وحماية البيئة ومصادر الثروة الطبيعية التي تكتنزها.
ما دخل مصلحة الزكاة والدخل بالتنمية المستدامة؟ سؤال مهم وجوابه أن الدولة تستهدف تحقيق استدامة مواردها المالية لتتمكن من الإنفاق لتحقيق الأهداف التنموية الشاملة والمتوازنة بشكل مستدام. لا شك أن الموارد الطبيعية موارد ناضبة وغير مستدامة وأسعارها متذبذبة بشكل كبير، وقد يتوافر للعالم بدائل عنها تخفض الطلب عليها بشكل كبير يؤثر بشكل في إيرادات الدولة، في حين أن الضرائب التي تقتطعها الدولة من جميع الأنشطة الاقتصادية والأفراد تعتبر مصادر دائمة بديمومة النشاط الاقتصادي المؤسسي والفردي الذي لا يمكن أن يقف في حال من الأحوال في أي دولة كانت. وباختصار، التنمية المستدامة تتطلب مصادر مالية مستدامة "زكاة وضرائب" تدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بشكل مستدام، وهذا يتطلب نشاطا اقتصاديا "صناعيا، تجاريا، خدميا، ماليا" دائما ونشطا ومتناميا لكي تنمو إيرادات الدولة من الضرائب لتلبي حجم الاحتياجات المتنامية نتيجة النمو السكاني. هنا تتضح أهمية مصلحة الزكاة والدخل في كونها ليست جهاز جباية للأموال وفق النظام من المكلفين من المنشآت والأفراد، وإنما لها جهاز شريك وفاعل في التنمية المستدامة بجميع أبعادها، إذ أنها تعتبر أداة تحليلية للأنشطة الاقتصادية وتحفيزية في الوقت ذاته للأنشطة الاقتصادية التي ترغب الدولة بالتوسع فيها بالاستثمارات المحلية والأجنبية وأداة تثبيط أيضا للأنشطة غير المرغوبة.
مصلحة الزكاة والدخل جهاز حكومي يخضع للاتفاقيات التي وقعتها الحكومة السعودية ويطبق الأجزاء الخاصة بالضرائب، ومن ذلك اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي انضمت إليها بلادنا قبل نحو عشر سنوات، ومجموعة العشرين الاقتصادية وغيرها من المنظمات والاتفاقيات.
لا شك أن الاتفاقيات الدولية ملزمة وجميعها يأتي في إطار حرية التجارة وإزالة كل القيود والعقبات أمام المستثمرين ورفع جميع أشكال الدعم والتمييز والتفضيل، والتحول من روح الحماية للمستثمر المحلي إلى روح المنافسة في الأسواق الدولية، وهذا ما يتطلب وعيا جديدا لدى المستثمر السعودي ولدى جميع عناصر البيئة الاستثمارية السعودية بما فيها صناع الرأي ومتخذيه ومطبقيه وصناع الفكر والرأي العام.
إذا أدركنا أهمية الزكاة والضرائب في توفير الإيرادات المستدامة للدولة، وأدركنا أهمية توظيف السياسات الضريبية في تنمية قطاعات الأعمال وتنشيطها وتحقيق السياسات الاقتصادية، وأدركنا أن تحصيل الضرائب بالشكل الأمثل دون تهاون وبما لا يؤثر في نمو الاستثمارات في جميع الدولة، أصبح هما دوليا تتعاون جميع الأجهزة الضريبية الدولية لتحقيقه من خلال اتفاقيات منع الازدواج الضريبي واتفاقيات تبادل المعلومات، ومن خلال محاولة إيجاد نماذج ضريبية موحدة تشكل مرجعية لكل دول العالم، ومن خلال عقد المنتديات والمؤتمرات واللقاءات الجماعية والثنائية.
إذا أدركنا أن السياسات الضريبية التفضيلية للمواطن على حساب الأجنبي قد تشكل مخالفة لاتفاقيات منظمة التجارة العالمية، سندرك بكل تأكيد مكانة وأهمية مصلحة الزكاة والدخل والدور الكبير المنتظر أن تقوم به حاليا وفي المستقبل القريب والبعيد وأهمية ذلك الدور في التنمية المستدامة.
مصلحة الزكاة تهتم إذا بمسألتين رئيستين الأولى: التحصيل الأمثل وفق المعايير الدولية للزكاة والضرائب، والثانية: أن تساهم بشكل كبير في تنمية الاستثمارات المحلية والأجنبية في جميع القطاعات بالتعاون مع الأجهزة الحكومية المعنية بتنمية الاستثمارات إذن أنه كلما نشطت المؤسسات الاستثمارية ونمت، زادت أرباحها فزادت بالتبعية إيرادات المصلحة التي تصب في إيرادات الدولة كمورد مالي مستدام.
يتضح للوهلة الأولى أن هاتين المسألتين متناقضتين ومن الصعب تحقيقهما معا إلا أن الدول جميعها تتعاون تعاونا كبيرا للنجاح في ذلك، فالدول تريد أن تستوفي مستحقاتها الضريبية ولذلك كان التعاون في تبادل المعلومات والوضوح والشفافية وفي الوقت نفسه لا تريد أن تحمل المكلفين أكثر من طاقتهم ولذلك كانت أنظمة منع الازدواج الضريبي.
لا شك أن المكلفين بهدف تخفيف العبء الضريبي يمارسون مهارات التهرب بصيغة التجنب الضريبي، وبالتالي فإن المهمة ليست مهمة هينة بتاتا، الأمر الذي يتطلب أجهزة ضريبية قوية ومؤهلة ومزودة بجميع المتطلبات النظامية والمالية والبشرية والأجهزة والمعدات والصلاحيات، ومدعومة بنظام قضائي صارم تجاه المتهربين والمتلاعبين كما هو الحال في الدول الغربية.
أحد معايير كفاءة أجهزة الضرائب نسبة الفجوة بين المستحق والمحصل وهي نسبة تصل في الدول الاسكندنافية إلى (7 في المائة) وفي دول أوروبا نحو (12 في المائة)، وفي بلادنا يبدو لي أنها غير معروفة لغاية الآن لكوننا ما زلنا نعتمد على إيرادات النفط بشكل رئيس رغم أنه في حقيقة الأمر دخلنا من النفط والغاز هو على شكل ضرائب تراجعها المصلحة كما أعتقد، وهي تصل إلى 85 في المائة على الشركات العاملة في إنتاج الزيت والمواد الهيدروكربونية، وتصاعديا من 30 إلى 85 في المائة على الشركات العاملة في مجال الغاز حسب معدل العائد الداخلي.
اقتصاديات السوق كما يبدو لي هي التي تسود حاليا، ومراكزها الدولية بدأت تضع المعايير القياسية التي باتت كل الدول تتبعها لتنسجم مع الاقتصاديات الكبرى، وبكل تأكيد بلادنا تسير في هذا الإطار وبالتالي فإن المستقبل سيكون للضرائب بجميع أنواعها بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة "المبيعات"، وعلينا أن نتهيأ لذلك من جهة قوة ومكانة وإمكانات المصلحة، ومن جهة الوعي العام لدى المستثمرين الذين يجب أن يعيدوا هيكلة فكرهم الاستثماري، ولدى عامة أفراد المجتمع وذلك في إطار مفهوم مهم وحيوي وهو أن الضرائب منا وإلينا.
ختاما أتطلع إلى أن تنهض مصلحة الزكاة بدورها المهم والحيوي في إعادة تشكيل الوعي في بلادنا حيال الزكاة والدخل، وأن تسهم بشكل كبير في تحقيق التنمية المستدامة التي نستهدفها جميعا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي