السعودة الحرفية مهملة تماما

من عجائب الزمن أن لدينا بطالة رغم وجود ملايين الوظائف المغيب عنها أهل البلد. كيف؟
السعوديون غائبون أو مغيبون عن شغل الوظائف الحرفية، باستثناء عدد صغير جدا من المواطنين الذين يعملون في شركات كبرى معروفة.
ربما كان أهم أسباب الغياب أو التغييب أن التدريب الهادف للتوطين الحرفي في بلادنا يعيش وضعا مأساويا بكل ما تعنيه كلمة مأساوي. وضع السوق يشرح لنا المقصود بالتوطين الحرفي أو بتعبير آخر السعودة الحرفية.
لو سألت: من يشغل الوظائف الحرفية أو اليدوية في بلادنا؟ الجواب معروف. لو طرحت السؤال بصيغة أخرى: أين يتركز عمل الوافدين في القطاع الخاص، خلاف نشاط المقاولات؟ الجواب أيضا معروف. وهو أنهم في الغالب في المحال والمنشآت التي تملأ شوارعنا. العمل في تلك المحال واقع مقصور تقريبا على يد عاملة وافدة. ويهمنا هنا اليد الماهرة أو نصف الماهرة، أو ما يمكن أن نسميها الوظائف الحرفية أو اليدوية.
ما هي هذه المحال والمنشآت، أو ما طبيعة عملها؟ هذه أمثلة: مستوصفات وصيدليات وبقالات وصوالين حلاقة وصيانة ككهرباء وسباكة وأعمال نجارة ومطاعم ومخابز وملاحم ومحال بيع تجزئة صغيرة وكبيرة كـ "سوبر وهايبر ماركت" ومحال مفروشات وأعمال ستائر ومجالس عربية وصيانة سيارات وخياطة رجالية ونسائية وإلكترونيات واتصالات وورش متنوعة.
العاملون في تلك المحال عددهم كبير جدا بالملايين.
ما طبيعة تأهيلهم؟
تعليم بسيط ولديهم معرفة حرفية يتفاوت مستواها كثيرا بينهم. وكثير منهم اكتسبها هنا وليس في بلده. ولذا جرى العرف على تسميتهم أيضا بالعمال، وهي تسمية تعكس في المقام الأول بساطة تعليمهم.
ما وضع السعوديين؟ الجواب واضح. لا تجد سعوديين يعملون حرفيين في تلك المحال. وهو وضع من إفرازات طفرة دخل النفط. كنا وقبل عشرات السنين أكثر اعتمادا على أنفسنا وبدرجة كبيرة واضحة. كل الحرف تقريبا عمل بها آباؤنا. من لا يدري أو يشك فليسأل كبار السن ممن بلغوا سن الشيخوخة.
هل نحن راضون ومسرورون باعتمادنا الكلي التام على الغير في أداء تلك الأعمال الحرفية؟ راضون عن استمرار الوضع؟ طبعا لا.
من المسؤول أو غلطة من؟ موضوع طويل ذو شجون وله جوانب كثيرة، ويهمنا في هذا المقال الجانب التدريبي. أعني توفير التدريب الحرفي الذي لا يتطلب مسبقا إلا تعليما بسيطا.
ماذا عملنا، وماذا عملت وزارة العمل؟ وبصورة أهم، ماذا عملت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني خاصة لإكساب آلاف السعوديين سنويا من ذوي التعليم البسيط مهارات حرفية تؤهلهم لما يطلبه السوق من ناحية المهارات الحرفية؟ الجواب تقريبا لا شيء. بل ربما اتهم البعض المؤسسة بأنها زادت الطين بلة بسياساتها التي تركزت على تدريب تقني ومهني لمن لديهم تعليم أعلى مما يطلبه سوق الوظائف الحرفية، وأهملت ما سواه. والنتيجة تعميق اعتمادنا الكلي على غيرنا منذ عشرات السنين وإلى الآن دون وجود علامات ملموسة على جهود لتغيير الوضع.
نسأل هؤلاء الذين يتهمون المؤسسة كيف؟ يقولون هل تتذكرون مركز التدريب المهني على شارع الجامعة في الرياض؟ أين هو؟ لماذا لم يتم التوسع في فكرته بدلا من الإجهاز عليها؟ لماذا لم تفتح خلال السنوات الماضية مئات المراكز التدريبية وفي أماكن قريبة من الشباب الأكثر احتياجا إليها؟
دخلت موقع المؤسسة فلم أجد سياسة بنية تدريبية وطنية تكسب آلاف الشباب والشابات سنويا المهن الحرفية للعمل في أماكن مثل المخابز والحلويات والملاحم والمطابخ والمطاعم وصوالين الحلاقة والورش ومحال الصيانة وغيرها.
لي أن أدعي أن تشجيع العمل بهذه الوظائف تشجيعا ثقافيا وتدريبا وعمليا كما ينبغي متدن جدا من جميع الأطراف: الدولة والأفراد والمجتمع ومؤسساته. استمرار الوضع على حاله يعني باللازم وبالضرورة استمرار وجود بطالة كبيرة بين شبابنا من ذوي التأهيل العلمي غير المرتفع، وما أكثر هؤلاء. ولا حاجة للحديث عن مخاطر كبرى أمنية واقتصادية واجتماعية من وجود هذه البطالة.
ما المطلوب لمعالجة أو تخفيف هذا الوضع المأساوي، وخاصة من جهة التدريب؟ موضوع مقالة الأسبوع القادم بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي