منظمة التجارة العالمية بين يديك الحلقة (37)

منظمة التجارة العالمية بين يديك الحلقة (37)

[email protected]

أثناء مؤتمر السلام الدولي المنعقد في باريس خلال عام 1919 كان وينستون تشيرشل Winston Churchill وزيراً للحرب والطيران في حكومة رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج Lloyd George. أطلق تشيرشل حملته التاريخية المشهورة ضد العراق خلال الفترة من 1919 إلى 1922، حيث أقنع حزبه البريطاني المحافظ بأن احتلال العراق لا يحتاج سوى إلى بضعة آلاف من الجنود, فأرسل أربعة آلاف جندي بريطاني وعشرة آلاف جندي هندي فقط مُدعمين بالطائرات الحربية البريطانية التي أسقطت 97 طناً من القنابل وقتلت تسعة آلاف عراقي, إلا أن المقاومة العراقية المكونة من العرب والأكراد أحبطت هذه العملية الحربية وانسحب الجنود البريطانيون والهنود منهزمين دون تحقيق غايتهم. كان تشيرشل يتمتع بشخصية قيادية قوية يضاهي شخصية رئـيس وزرائه لويد جورج. وسطر التاريـخ حادثة انطلاق تشيرشل بسيارته من لندن إلى باريس صباح يوم 14 شباط (فبراير) 1919، قبل عـودة الرئيس الأمريكي ويلسـون من أوروبا إلى بلاده، ليقنـع بالـقوة المجلس الأعلى لمؤتمر باريس، الذي كان يطلق عليه اسم مجلس العشرة The Council of Ten ، بأن على الحلفاء المجتمعين في باريس التدخل العسكري الفوري ضد روسيا لكبح جماح المارد الشيوعي أو الانسحاب الكامل من التعاون مع القيادة الروسية. أربك هذا التصرف الفردي المتهور رؤساء الدول عامة ورئيس الوزراء البريطاني خاصة، فانسحب كل من الرئيس الأمريكي ويلسون وزميله البريطاني (لويد جورج) من قاعة الاجتماع ليصبح من المستحيل على تشيرشل العنيد أن يثـني عزائم الرؤساء الآخرين الذين حذروه من مغبة اقتراحه.
لدى اعتلاء الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت Franklin Roosevelt منصبه في تشرين الثاني (نوفمبر) 1932 نشأت علاقة خاصة وحميمة بينه وبين تشيرشل عبر المحيط الأطلسي خاصة أن والدة تشيرشل جيني جيروم Jennie Jerome كانت ابنة رجل الأعمال الأمريكي الشهير ليونارد جيروم Leonard Jerome . وبعد استقالة رئيس الـوزراء البريطاني تشامبرلين Chamberlain من منصبه يوم 10 أيار (مايو) 1940، أصدر الملك البريطاني جورج السادس George VI أمراً بتعيين وينستون تشيرشل رئيساً للحكومة البريطانية، في هذا اليوم بالذات بدأ الجيش الألماني عملياته الحربية بضرب المواقع والمدن البلجيكية والهولندية التي أسفرت عن احتلال مدينة روتردام. فاجأ الزعيم الـنازي هتلر رئيس الوزراء البريطاني الجديد تشيرشل بغزو بولندا في 1 أيلول (سبتمبر) 1939، حيـث كان عدد الجنود في الجيش الألماني 7.5 مليون جندي، رغماً عن أن معاهدة فرساي الموقعـة في 28 حزيران (يونيو) 1919م بين الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى والألمان المنهزمين في ذلك الوقت، كانت تنص على ألا يزيد عدد الجنود في الجيش الألماني مستقبلاً على 100 ألف جندي فقط. الا أن الزعيم النازي هتلر خدع الحلفاء في أوائل عام 1921 بإنشاء قوات خاصة من المتطوعين الألمان لا تخضع للقطاعات المكونة للجيش الألماني، أطلق عليها اسم فرق العاصفة Storm Section وباللغة الألمانية Sturm Abteilung، ليرتفع عدد منسوبيها إلى 4.5 مليون متطوع ألماني في منتصف عام 1934.
تفاقم الغزو الألماني خلال عامي 1940 و1941 وازداد قلق الحلفاء من تصرفات هتلر, ما حدا برئيس الوزراء البريطاني تشيرشل إلى أن يجتمع مع الرئيس الأمريكي روزفلت على ظهر السفينة الأمريكية أوغستا USS Augusta في ميناء بلانسينتيا Placentia الأمريكي بالقرب من مقاطعة نيوفاوندلاند New Found Land وأصدر الزعيمان في 14 آب (أغسطس) 1941 وثيقة تعاون أطلقا عليها اسم ميثاق الأطلسي Atlantic Charter.
كانت طريقة إعداد ميثاق الأطلسي مماثلة إلى حد كبير الطريقة التي أعدت بها وثيقة النصر الموقع عليها في مقطورة فوش بين الحلفاء المنتصرين والألمان المنهزمين بتاريخ 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 1918، حيث أسهم الوفد الأمريكي برئاسة روزفلت في وضع النص القانوني لميثاق الأطلسي، كما أسهم سلفة الرئيس ويلسون في وضع وثيقة النصر ذات الـ 14 مادة. كان من المتوقع أن يتم توقيع ميثاق الأطلسي من قبل روسيا أيضاً، إلا أن إصرار الوفد الأمريكي على إدراج تعريف مبتكر للعالم الجديد في الميثاق تحـت اسم "العالم الواحد" One World، لم ينل رضا الجانب الروسي, فاعتذر عن حضور الاجتماع.
في هذه الوثيقة التاريخية، حددت الفقرتان الرابعة والخامسة تعريفاً مبتكراً للأطراف المتعددة Multilateral Parties الموقعين على الاتفاقية، حيث قصد بهذا التعريف أن يكون منهجاً تسترشد به جميع الأطراف المتعاقدة Contracting Parties فور بدء إعادة الإعمار في القارة الأوروبية لدى انتهاء الحرب العالمية الثانية. وركزت فقرات الوثيقة الثمانية على ضرورة تعزيز إمكانات الدول الاقتصادية والتجارية ورفع قدراتها من أجل سهولة نفاذ صادراتها من مواد أولية ومصنعة إلى أسواق الدول الأخـرى لتنمية التجارة العالمية وزيادة رخائها وازدهارها، إضافة إلى تحسين معايير العمل ومستوى العمال لتحقيق التنمية الاقتصادية والأمن الاجتماعي لجميع الأطراف المنتصرة والمنهزمة على حد سواء. كانت الوثيقة التاريخية لميثاق الأطلسى القطرة الأولى من الغيث الذي انهمر على "العالم الواحد" لاحقا من خلال صياغة النظام العالمي الجديد.

الأكثر قراءة