رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«هيكل» .. مجموعة شخصيات متقلبة

طوال عام 2015، غاب الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل عن الإعلام العربي بعد أن أوقفت محطة الجزيرة الحلقات التي كان يقدمها طوال عام 2014؛ لأنها كانت دون المستوى ودون محتوى.
والواقع أن هيكل حينما يغيب طويلا عن الإعلام يعود بتفجير مجموعة من القضايا المثيرة والمتناقضة، علَّها تعيده إلى سطح الأحداث.
وأهم الأخبار التي عاد بها إلى الشارع العربي في هذه الأيام هي مقولته التي افترى فيها على المملكة، وقال إنها دولة غير معمورة، وإن نفسها قصير.. إلى آخر معزوفة التوقعات الغريبة والمريبة التي أطلقها كعادته على غير هدى.
وإذا عدنا إلى تاريخ هيكل في الشارع العربي القومي الذي برع فيه منذ أيام الرئيس عبد الناصر.. نجد أنه قدم مجموعة من الآراء بعضها مع الفكر القومي، وبعضها ضده، مع أنه يزعم أنه الممثل الشخصي لرائد القومية العربية الرئيس عبد الناصر.
وإذا عدنا إلى كتب هيكل نجد أنه يعزف على كل التيارات، ولا نعرف له مدرسة ينطلق منها ويعبر عنها، فهو مع القومية العربية وضدها، ومع الاشتراكية وضدها، ومع الفكر الليبرالي وضده، ومع البراغماتية وضدها، ومع الديمقراطية وضدها، وهكذا دواليك، والرجل باختصار صاحب شعارات، ويكتب من دون محتوى، أو من دون أن يكون له خطاب واضح أو مدرسة بعينها.
ونظرة واحدة منصفة إلى كتبه وبالذات كتابه خريف الغضب ندرك أن هيكل ليس لديه خطاب محدد، بل يتخبط في أزقة كل المدارس، ويتجه حيث تمضي الأهواء، فهو الآن مع السيسي، وإذا لم يعاجله السيسي ويضمه إلى بطانته، فإنه سيفاجئنا بهجوم غير مبرر ضد السيسي وإنجازاته، انتظروا ولا تستعجلوا، فسيأتيكم هيكل على السيسي.
وبالمثل إذا تساءلنا: لماذا يحقد هيكل على السعودية؟ فهذا يعود إلى أن السعودية لم تكن حفية بفكر هيكل، ولم تعجبها نفاقاته، فتركته لترهاته، ولم تجر معه أي اتصال، وكانت النتيجة أن هيكل كان يعد الخطابات العدائية، التي كان يلقيها الرئيس عبدالناصر ضد السعودية، حتى إنه ورط الرئيس عبدالناصر في خلافات مع السعودية، على الرغم من أن السعودية كانت أول دولة عربية تبادر في مؤتمر الخرطوم، الذي عقد عقب هزيمة 67 بتقديم المساعدات العاجلة إلى مصر.
ومن المؤسف أن الكاتب محمد حسنين هيكل محسوب على الفكر القومي العربي، مع أن مواقفه ضد كل المشاريع العربية، ففي الوقت الذي تنجح المملكة ومصر في مؤتمر القمة العربي الأخير في الاتفاق على قرار تاريخي ببناء قوات عربية مشتركة، فإذا بهيكل يشن هجوما ضاريا ومفاجئا ضد المملكة.
وإذا استعرضنا العلاقة بين هيكل والسادات نجد أنها لم تكن على ما يرام، وكلنا نعرف أن هيكل كانت له صولات وجولات في حكومة الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر حتى ضمه إلى طاقم حكومته، ومنحه حقيبة وزارة الإرشاد القومي، ولكن هيكل لم يكن على ما يرام مع خلفه الرئيس محمد أنور السادات، الذي كان يظن أن هيكل قريب من مراكز القوى التي أطاح بها السادات في واقعة 15 أيار (مايو)، ولذلك اتخذ السادات قرارا بإبعاد هيكل عن مطابخ صنع القرار المصري.
وحينما تسلم مبارك السلطة عقب اغتيال الرئيس السادات، كان هيكل يتوقع أن يقربه حسني مبارك من السلطة، ولكن مبارك لم يفعل هذا، بل آثر إبعاد هيكل عن دهاليز الإدارة المصرية، وهنا بدأ هيكل يغمز ويلمز نظام مبارك، حتى اضطرت وزارة الإعلام إلى اتخاذ تدابير تمنع هيكل من الكتابة في الصحافة المصرية أو حتى الظهور في الإعلام المصري.
ولذلك حينما سقط نظام مبارك ظهر هيكل بشكل كثيف في وسائل الإعلام المصرية التي حجب من الظهور فيها سنوات طويلة غابرة، ومن أبرز ما قاله هيكل بعد ثورة 25 يناير: إن مبارك لم يكن صاحب الضربة الجوية، ولم يكن بطلا من أبطال تشرين الأول (أكتوبر)، على الرغم من أن كل القيادات العسكرية وعلى رأسهم الرئيس السادات أشادت بالدور الأساسي والرئيس الذي لعبه مبارك في انتصارات تشرين الأول (أكتوبر)، بل إن الرئيس السادات عينه نائبا له مكافأة للعمل الجسور والتدمير الشامل الذي أحدثه في الطيران الإسرائيلي، ما مكن قوات العبور من مد الجسور وتحقيق العبور بعيدا عن ضربات سلاح الجو الإسرائيلي المحطم، الذي شله الطيران المصري بقيادة اللواء محمد حسني مبارك.
هكذا وبسرعة قام هيكل بتزوير التاريخ المشهود للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
إن هيكل صحافي لا يستطيع أن يضبط أهواءه، ولذلك له صولات وجولات متناقضة، بل نستطيع القول إن هيكل اشتهر بالفبركة واستخدام التخمينات المضللة في كثير من طروحاته، وقد نالت السعودية منه الشيء الكثير، ومن يقرأ كتبه وبالذات كتاب "خريف الغضب" يجد أن هيكل يقدم نفسه للقارئ بمجموعة كبيرة من المعلومات المفبركة والمضللة، حتى أحاديثه التي كان يقدمها عبر قناة الجزيرة كان يقدم فيها الشيء وضده، ويضع المتابع في حيرات كثيرات، بمعنى أن قصصه الإخبارية التي كان يقدمها في قناة "الجزيرة" كان لها بدايات، ولكن ليست لها نهايات.
أما حال هيكل في هذه الأيام فهو يجمع كل قواه ليشن هجوما على ثورة 25 يناير؛ لأنها زجت بابنه حسن هيكل في غياهب سجن طرة جنبا إلى جنب مع شركائه أبناء الرئيس مبارك؛ أي أن ابنه متهم في قضايا فساد واستغلال نفوذ والده بغير وجه حق، وهي التهم نفسها الموجهة لنجلي الرئيس مبارك علاء وجمال. والسؤال الآن: هل يستمر هيكل في تعيير مبارك بالفساد واستغلال النفوذ بطرق غير مشروعة، أم أن واقعة ابنه تستميح العذر لمبارك؟
إن هيكل اليوم لم يعد أسطورة الفكر السياسي العربي، ففي الآونة الأخيرة خسر هيكل كثيرا حينما قامت ثلة من الصحافيين المصريين الشبان بالهجوم عليه بسبب التناقضات الواضحة في آرائه ومواقفه، ولم يعد ذلك المفكر العربي المميز، وهكذا بدأ يخسر في أرضه، ويصبح مكشوفا أمام الرأي العام في كل أنحاء العالم العربي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي