انتصرنا .. من قبل وبعد ..
ما يقوم عليه مجاري التاريخ ومراسيه، أن شهداء الصلاة، وشهداء المحاريب، يورثون لمن خلفهم تأييدا عظيما من الله العزيز الرحيم.
هذه عسير تأتي اليوم لتقدم رجال جنتها، ورجال الشفاعة منها، ورجال حسن العاقبة، وجميل المآل والمنقلب.. إن يسلم العبد لله روحه وهو في طهارة قيام مع القائمين بين يديه، وهو في غمرة الركع السجود.. هذا بحسب مقياس الدار الآخرة، فوز عظيم، وأول بشائر القبول والرضا والمغفرة والرحمة، أليس العبد يحشر على ما مات عليه؟ فليحشر المصلون وهم في طهارة صلاتهم الأخيرة، وركعتهم المعلقة قبل تمامها، وسجودهم الطويل، الذي انقطع مداده بربه، بغدر فاجر قاتل.
إن هذا القتل الذي يرفعنا إلى فهم "المشروع المفضوح" القتل بالتجزئة أو بالجملة، هو قتل يعاجل بشهدائنا إلى الجنة، ويسرع بقتلاهم إلى النار، إننا لم يخلقنا الله لتكون الدنيا هي الحياة السرمدية لنا، وليست هي الحياة الباقية، وليست هي أكثر من ممر وسبيل، يجري العمر فيه لمستقر ومستودع، يعود للمبدي والمعيد الذي كان منه، وإليه الرجعى، وإليه المأوى، وعنده وبين يديه يختصم الخصوم!
انتصرنا بعد كل شهادة، بعمق الإيمان بالغيب، وعمق اليقين أن لكل خاتمة كريمة بالشهادة لها سبب من رضا الله سبقها، ويسرها لأهلها، إن رجال أمننا يستهدفون ليس لأسباب شخصية، أو ثأر قديم، بل يتم الاستهداف لأنهم يمثلون سد مأرب، هم سور المدينة، هم يقظة العين البصيرة على الذئب المتربص. ولا بد أن يقتل الحارس أولا ليتمكنوا من سرقة البستان، ودخول المدينة.
لا بد من استحضار الغيب، بكل ما فيه، من مكافأة سخية عظيمة للشهداء، وبكل ما فيه من خلود، وبكل ما فيه من عدل عظيم، لا تفوت لديه مظلمة مظلوم!
عند اليقين بالله نهزم عدونا بقوة روحنا المعنوية، أن لا أحد يموت قبل أجله بساعة، ولا يتأخر عن أجله ساعة، وكان النبي صلوات الله وسلامه عليه يعبر عن الشهداء بأنهم خرجوا لمضاجعهم اللينة التي أعدتها الملائكة لهم.. لقد كان لهم موعد مع الله، ولم يخلفوه، ولم يتأخروا عنه. وأسرعوا خفافا مستبشرين إليه، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم!
هكذا يعلمنا الله ورسوله أننا نلتقي بالحياة من خلال لقائنا بالله فقط، وأن الموت ليس عقوبة لمن صلح يقينه، واستقر بالله قلبه وإيمانه.
مافيا "داعش"، يخيل إليها أن الغدر الجبان هذا يروع قلوبا مسلمة تعتبر الجنة هدفها الأخير من الحياة وتعد حلقات أيامها وعمرها، محض دولاب تزرع به رضا الله عنها، واستحقاقها لقربه في دار المقامة عنده.
وبهذا أرجع لقلوبكم التي أيقنت بالله والدار الآخرة.. وأقول لأسر الشهداء، من الخير أن يكون أبناؤنا في الجنة فرحين بما آتاهم الله من فضله، أحياء عند ربهم يرزقون، وأن يكون هذا على يد شرار خلقه، وأبعدهم عن رحمته، من أضله الشيطان على جهل واتبع هواه فتردى، فحسبه جهنم وبئس المصير.
أخشى أن نفقد يقيننا، أو أن نخاف، أو أن نعين على أنفسنا، بالمشي خلف الأكاذيب التي يراد منها فقط صناعة الخوف.. والمؤمن بالله له رب قادر حكيم رحيم وهو فعال لما يريد ولا يخاف من الرجوع إليه. والعودة إلى الجنة التي خرج منها، والتي تترقب بشوق دائم عودته، إن خير العائدين هم الشهداء.