تزايد الاستثمارات الأجنبية في آسيا بعد 10 سنوات من الأزمة الاقتصادية
قبل عشر سنوات أجبرت تايلاند على تعويم عملتها (الباهت) وناشدت صندوق النقد الدولي إنقاذ اقتصادها، الأمر الذي تسبب في حدوث أزمة اقتصادية انتشرت مثل موجات المد البحري "تسونامي" إلى اقتصادات إندونيسيا وماليزيا والفلبين وكوريا الجنوبية.
وبعد عقد من الزمان تمكنت خمس دول كانت الأكثر تضررا من الأزمة من الوقوف مرة أخرى على أقدامها، وهو ما يرجع الفضل فيه إلى السياسات المالية الحكيمة وقوة الصادرات والتدفق القوي للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وكانت كوريا الجنوبية الأكثر تعافيا بشكل مثير للانتباه من بين تلك الدول. وأجبرت الأزمة كوريا الجنوبية على فتح اقتصادها بدرجة غير مسبوقة ليجري مكافأتها من خلال تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى داخل البلاد لتصل قيمتها إلى 102 مليار دولار خلال الفترة من 1998 إلى 2006، أي ما يوازي 80 في المائة من حجم الاستثمارات الداخلية منذ عام 1962. ورغم ذلك فإن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تشكل نسبة صغيرة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إذ بلغت 8.1 في المائة في عام 2005. كما لعبت الاستثمارات الأجنبية المباشرة دورا مهما وبشكل تاريخي في اقتصادات دول جنوب شرق آسيا الأربعة الأخرى.
وتعود قوة مخالب ما يطلق عليها بالنمور الصغيرة لجنوب شرق آسيا إلى التدفقات الضخمة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من اليابان وبشكل أقل من كوريا الجنوبية وتايوان في أعقاب رفع قيمة العملة اليابانية الين في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
وتزايد تدفق الاستثمارات في المنطقة مع تدفقات أصغر حجما من الولايات المتحدة وأوروبا الساعية إلى جني مزايا "المعجزة الآسيوية". ولكن عندما تحولت المعجزة إلى كابوس بعد عام 1997 اتجهت موجة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مكان آخر، وكان أغلبها من نصيب الصين التي لم تتأثر بشكل كبير من الأزمة الآسيوية كما اتجهت تلك الاستثمارات إلى الهند ولكن بشكل أقل.
ووفقا للجنة الأمم المتحدة للتنمية والتجارة (أونكتاد) استحوذت الصين وهونج كونج على 111.4 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العام الماضي أو ما يوازي 14 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي.
وقالت بيانات لجنة الأمم المتحدة إن اقتصادات دول جنوب شرق آسيا اجتذبت خلال فترة قوتها وازدهارها بين عامي 1992 إلى 1997 نحو 7.7 في المائة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم، فيما تراجعت حصتها إلى 2.9 في المائة خلال الفترة من عامي 1999 إلى 2005.
ورغم ذلك فإن الاستثمارات الأجنبية المباشرة لعبت دورا مهما في تعافي اقتصادات جنوب شرق آسيا واستمرت في العمل كمقياس يشير إلى قوة الوضع السياسي والاقتصادي.
وحصلت سنغافورة التي كانت أقل دول المنطقة تضررا من الأزمة على 66.8 مليار دولار في شكل تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الفترة من 2004 إلى 2006، وذلك حسبما أفادت به بيانات اللجنة.
واجتذبت ماليزيا التي تمتعت باستقرار نسبي أربعة مليارات دولار في المتوسط كل عام خلال الفترة نفسها، فيما وافقت العام الماضي على استثمارات بقيمة 13.5 مليار دولار في شكل مشاريع استثمارية جديدة.
وبدأت إندونيسيا تشهد تحولا بعد أن عانت هروب الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال أزمتها متعددة الجوانب من تغييرات سياسية كبيرة وصراعات أثنية وعرقية وتهديدات من إرهابيين يتزايد عددهم في البلاد في الفترة من 1998 إلى 2003.
ورغم أن معظم الاستثمارات كانت موجهة إلى استخراج الفحم، إلا أن إندونيسيا شهدت تدفقا في الاستثمارات بقيمة 1.9 مليار دولار في عام 2004، 5.3 مليار في 2005، وملياري دولار في العام الماضي.
وقال جيمس كاستل استشاري الاستثمارات في جاكرتا وعمل أكثر من ثلاثة عقود في هذا المجال في إندونيسيا " لقد تغير الوضع، فإننا الآن بلد مستقر سياسيا في المنطقة وتايلاند والفلبين دولتان لا تتمتعان بالاستقرار من وجهة نظر المستثمرين".
وقدر البنك الدولي أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة زادت من 17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لإندونيسيا خلال أربع سنوات ماضية لتصبح 24 في المائة في 2006.
وبدأت الفلبين تشهد أيضا تحولا ففي عام 2006 ارتفعت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة 27 في المائة لتصل إلى 2.4 مليار دولار، كما أنها سجلت بالفعل خلال الربع الأول من العام الجاري 710 ملايين دولار بارتفاع نسبته 19 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي.
وقال جواشيم فون أمسبيرج مدير مكتب البنك الدولي في الفلبين، إن الإصلاحات السياسية والمالية التي تمت أخيراً خلقت "أفضل فرصة" للفلبين من أجل جذب الاستثمارات منذ أزمة 1997. حتى تايلاند التي عانت عدم الاستقرار السياسي خلال العامين الماضيين، برهنت على أنها مقصد جذاب للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وبلغت تلك الاستثمارات إلى تايلاند في العام الماضي 7.9 مليار دولار. ورغم أن من المرجح أن تتراجع التدفقات الاستثمارية في العام الجاري إلا أن اهتمام المستثمرين بها في تزايد. ومنح مجلس الاستثمار التايلاندي امتيازات لـ 181 مشروعا استثماريا أجنبيا بقيمة ملياري دولار خلال الفترة من كانون الثاني (يناير) إلى أيار (مايو) من هذا العام بارتفاع نسبته 65 في المائة من حيث القيمة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وتركز أغلب الاستثمارات الأجنبية في تايلاند خلال العقد الماضي على البنية الأساسية وصناعات التصدير الرئيسة لها كالإلكترونيات والأجهزة الكهربائية وصناعة السيارات التي شكلت نسبة ضخمة بلغت 70 في المائة من إجمالي صادراتها.
وحذر كيريدا باوبيشيتر الخبير الاقتصادي لشؤون تايلاند في البنك الدولي قائلا إن "السبب في وجود المستثمرين في تايلاند حاليا هو أننا مازال لدينا بعض المزايا عن الصين وفيتنام من حيث إنتاج منتجات تتطلب مهارات أكثر لكن ينبغي للحكومة أن تدرك حقيقة أنها (المنتجات) إذا كانت ستدر أرباحا أكثر لهم (للمستثمرين) بإنتاجها في مكان آخر فإنهم سيفعلون".