رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الكذبة الكبرى

توالت جمع مفجعة لشيعة الخليج، صعدت أنفس طاهرة راضية إن شاء الله مرضية عند بارئها العزيز الغفار، صعدت إلى ربها في جلال الصلاة، وخشوع الركع السجود.
وهذه الجمعة يجتبي الله من الصائمين، القائمين بواجب حفظ أمن الناس على أنفسهم، وأعراضهم، وأملاكهم.. كراما بررة اصطفاهم الله لهذه الخاتمة الطاهرة التي لا ينالها إلا من أحبه ورضي عنه.
بين شهداء الواجب، وشهداء المساجد، والمسافة الفاصلة من القطيف والدمام والأحساء إلى الرياض والكويت والطائف، يستقر اليقين الآن أن الوطن هو المستهدف، وأن سقوط الأمن هو بوابتهم وأن وعي السعوديين أول مرة وآخر مرة أفشل مشروعهم الأول في إيجاد صراع طائفي بين الأقليات المذهبية، حين تشعر أنها وحدها المستهدفة، فتخرج إلى انفلات مجنون ينتهي إلى الفعل وردة الفعل.. كما في العراق حين شعرت كل طائفة هي المستهدفة من الطائفة الأخرى، ومع عسكرة المجتمع، يتكون المناخ الطبيعي لعصابات القتل المسلح المسماة "داعش" أن تتكون، كوليد حرام لا يولد إلا في بيئة الدم الحرام، والنفس الحرام، والقتل الحرام للنفوس البريئة، والكذبة الكبرى هنا ألا نعتبر هؤلاء المجرمين من الخوارج.
كان السعوديون أعظم نفسا، وأعمق وعيا، وأبعد بصيرة من كل تصوراتهم، خابت ظنونهم، وخيب الله لهم السعي، والعمل الخبيث، والغاية. فرجعوا إلى ما بدأوه أول مرة.. وهو القتل بالتجزئة.. في كل مكان، وإلى أي أحد.
بات اليقين الآن أجلى أن المشروع الذي ما زلنا نحذر منه من أربع سنوات ويزيد قد اقترب أكثر، وأن الكذبة الكبرى هي التي تجعلنا نتعامل مع هذا التنظيم المسلح بوصفه يمثل تيارا إسلاميا، أو أن له أهدافا دينية، أو أن له أي صلة بدين أو مذهب معين.
عاش الشيعة، والإسماعيلية في المملكة، عشرات السنين آمنين على أنفسهم، وأعراضهم وأموالهم، في زمن كان القتل فيه يسيرا، وأقل تبعات مما هو عليه الآن. وكان القتل يتم بلا صورة ولا صوت وبحدود قبر يندثر أثره بقليل من سفح رمل عابر، ولكن هذا لم يحدث ولم يكن؛ وبذا الجريمة المسلحة لا تنتسب إلى غير السفاح السياسي والاستخباراتي الذي ما زال يمدها بأحدث تقنيات الاتصال، والسلاح، ويسهل لها عبور تجارة النفط المسروق.
هذا اللقيط المتولد من السفاح، نال من الفتاوى، ما يريد أن ينال، ونال من التراث ما يبتغي، ولكن هذا ليس معضلة كما أقنعتنا الكذبة الكبرى أنها هي السبب.. لأن هذا التراث لم يزل حاضرا وقائما وموجودا، وكان إلى جواره وبالقرب منه المسيحيون واليهود والأيزيديون والشيعة في الدول السنية، والسنة في الدول الشيعية، والدروز، وكل الطوائف والديانات.. بل في عصر التابعين كان أتباع هذه الديانات هم أمناء على خزائن الدولة الإسلامية، وكان بيدهم أخطر المناصب وأهمها على الإطلاق. وكان بعضهم أساتذة في اللغة يتتلمذ على أيديهم الفقهاء المسلمون دون ضغينة ولا كراهية.
الخليج بتمامه الآن يواجه تحدي الكراهية بين كل طوائفه وشرائحه، وإن المندسين والسفهاء منا، أعوان علينا، وأن المشروع الكبير هذا يقوم على كذبة كبرى بحيث يتحول مشروع هدم الدول وإعادة رسم الخرائط، إلى مشروع يتصف بالإسلام ليستغل ضعفاء العقول والوعي، ليكونوا حصان طروادة لزعزعة أمن بلادهم وهدم كيانها من الداخل، كما في اغتيال الشهداء الأبرار أمس الجمعة في الطائف.
اللهم تقبلهم عندك بقبول حسن، وارفعهم وكل الشهداء شيعتهم وسنتهم عندك إلى منزلة الأنبياء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي