الخطوط الخليجية .. إما الاندماج وإما الذوبان
أعلنت شركة طيران الخليج عن مبادرة أخرى لإعادة هيكلة الشركة التي لا تزال تعاني من خسائر عديدة تصل إلى مليون دولار يوميا. "طيران الخليج" ذات الماضي العريق كانت أول من أتى بالمستوى الرفيع من الخدمة الجوية على المستوى العربي أصبحت الآن تواجه المصير المجهول جراء انسحاب الدول الخليجية التي أنشأتها وتفاقم الخسائر سنة بعد أخرى. "طيران الخليج" مثال تطبيقي حي يتناوله المهتمون بإدارة الخطوط الجوية لما تحتويه حالتها من العديد من الدروس المستفادة، فالعامل السياسي المتمثل في ملكية الشركة من قبل عدة حكومات أثر سلبا على مرونة القرارات التي تبنى على أسس تجارية. وكانت الدول المالكة لـ "طيران الخليج" تتنازع وجهات الرحلات وتتنازع اختيار أنواع الطائرات وحصص التوظيف وجنسيات كبار الموظفين. أدى ذلك إلى تكوين طاقم إداري غير متجانس وأدخل الشركة لسنوات في نفق الخسائر وفقدت قدرتها على تلبية متطلب النقل الجوي للدول المالكة، التي اختارت عوضا عن ذلك الانسحاب بين فترة وأخرى وتكونت بذلك الخطوط القطرية و"طيران الاتحاد" والطيران العماني. وخلال تلك السنوات لم تتمكن الشركة من التحول إلى هيئة تؤمن لها الانتقال إلى الربحية برغم مبادرات ضخ الأموال وإعادة الهيكلة، ولا حتى الاستعانة برئيس عالمي هو الآخر فضل الانتقال إلى واحدة من الخطوط الوليدة. منهجية المبادرة الأخيرة لإعادة هيكلة "طيران الخليج" تدل على واقع صناعة النقل الجوي في منطقة الخليج العربي التي تمثلت في جدارة هيمنة شركة طيران الإمارات على سوق الرحلات بعيدة المدى بفضل التخطيط الاستراتيجي الصائب الذي بدأ قبل عقد من الزمن وتمثل في سلسلة متتالية من طلبات شراء الطائرات ذات الحجم العريض وتوسعة مطار دبي وإنشاء مطار مركز العالم في جبل علي لتستوعب الإمارة 100 مليون مسافر في السنة بحلول عام 2015 . مستوى خدمة "طيران الإمارات" وثراء وجهات الرحلات وتميز مطار دبي كانت أسبابا كافية لكساد الخطوط الجوية المجاورة وخاصة الخليجية. حيث تنوي "طيران الخليج" إلغاء العديد من الوجهات البعيدة كرحلات هونج كونج وسنغافورة وسيدني والتفكير في تطوير سوقها الإقليمية للمدن الخليجية والشرق أوسطية. وستضطر "طيران الخليج" إلى التخلص من الطائرات ذات الحجم الكبير وتكوين أسطول من الطائرات الصغيرة ذات النوع الواحد لتقليص نفقات الصيانة والإسناد. التعامل مع الواقع بشفافية ينطبق على الخطوط الكويتية التي ظلت تخسر منذ 15 سنة بالرغم من موجات من التعافي النسبي والعودة ثانية للخسائر، إلا أن مزايا الشفافية في الكويت لم تسعف المعنيين في الخطوط الكويتية لتبني منهجية هيكلة جذرية مما كان له الأثر في نشوء شركات خطوط اقتصادية تربط سوق الكويت متوسطة الحجم بالوجهات القصيرة في المنطقة. حالة الخطوط السعودية تعتبر الأصعب نظرا لتعدد العوائق التي تواجه إعادة نهضتها وصعوبة إزالة أو تجاوز تلك العوائق. فالخطوط السعودية تعاني من ترهل الكادر البشري عددا وكفاءة وقلة أعداد طائراتها والغالبية منها أصبحت قديمة يستنزف إسنادها معظم وارداتها. وإن لم تنجح "السعودية" في السنتين المقبلتين من التخلص من عشرة آلاف موظف والحصول على 50 طائرة جديدة، فإنها قد تجد نفسها تواجه واقع "طيران الخليج" من الذوبان والتقلص إلى شركة طيران إقليمية. فحتى حمى اكتتابات الشركات المساهمة وتخلي الدولة عن جزء أو كل من ملكية "الخطوط" لن يساعدا في إعادة هيكلتها قبل أن تتحقق عوامل الربحية التي من خلالها تأتي بالمساهمين والمستثمرين. بعض دول الخليج استغلت الوفر المادي الذي طرأ في السنوات الأخيرة في التركيز بشدة على تكبير خطوطها الجوية - التي بلا شك تعد ذراعا إعلامية عالمية – إلا أن طلبات الطائرات لا تتوافق مع أكثر الدراسات مبالغة في مستقبلها التنموي كالدوحة وأبو ظبي، فعامل السبق لدبي سيؤثر مستقبلا فيمن ينسخ منهجية دبي نسخا مجردا دون الإتيان بنواحي جذب مختلفة.