التقاط الكربون وخزنه بحاجة إلى دعم حقيقي

تعد عملية التقاط الكربون وخزنه واحدة من أكثر الرهانات ضمانا للانتقال إلى مستقبل طاقة منخفض الكربون، حيث تسهم في خفض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون مع الحفاظ على مكانة الوقود الحيوي في مزيج الطاقة في ظل ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة. لكن التقدم في تقنية التقاط الكربون وخزنه كان بطيئا ويخشى الكثيرون أن يتم التخلي عنه أو في أفضل الأحوال يبقى على نطاق ضيق. في الوقت الذي انتعشت وانخفضت فيه تكاليف تقنيات الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية، بقيت تقنية التقاط الكربون تراوح مكانها وباهظة الثمن، وشهدت فقط استثمارات متواضعة من بعض مرافق الطاقة والحكومات. على الرغم من إنجاز بعض مشاريع التقاط الكربون الصغيرة - كثير منها مرتبط بالاستخلاص المعزز للنفط - إلا أن هذه المشاريع تعد أقل بكثير مما كان يؤمل عليه حتى الآن. من دون دعم أقوى، فإن عملية التقاط الكربون في خطر التعرض للتهميش..
في الوقت الحاضر، الحاجة إلى مشاريع التقاط الكربون وخزنه تستأثر باهتمام متزايد. حيث يشير المختصون في الهيئات المؤثرة مثل الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ IPCC ووكالة الطاقة الدولية إلى أنه بدون التقاط الكربون وخزنه، سيكون صعبا ومكلفا – إن لم يكن مستحيلا – تحقيق خفض كبير في الانبعاثات مع تلبية الطلب المتزايد على الطاقة.
كما أن مؤتمر "أوبك" الدولي السادس الذي انعقد في العاصمة النمساوية - فيينا الأسبوع الماضي، طالب بضرورة توظيف هذه التقنية لتطوير الصناعة النفطية وحماية البيئة. مع ذلك، لم تحقق تقنية التقاط الكربون بعد الشهرة والدعم العالمي اللذين تتمتع بهما مصادر الطاقة المتجددة.
في الواقع، تقنية التقاط الكربون وخزنه تبدو إلى حد كبير غير مفضلة من جميع النواحي. حيث إنه لا تزال هناك معارضة قوية من قبل عدد من منظمات المجتمع المدني المعنية بالبيئة مثل منظمة السلام الأخضر لهذه التقنية. في حين أن رأي الحكومات في الغالب متفاوت، مع القليل من الاهتمام في ألمانيا و فرنسا، تقدم متعثر في المملكة المتحدة، إشارات متضاربة من الولايات المتحدة وإعادة نظر جارية في كندا/ ألبرتا التي كانت في وقت سابق مؤيدا كبيرا. من ناحية الرأي العام، هناك القليل من الحماس الشعبي لهذه التقنية مقارنة بمصادر الطاقة المتجددة، بل حتى توجد بعض المخاوف من تخزين غاز ثاني أوكسيد الكربون في باطن الأرض على اليابسة. المستثمرون بدورهم لهم اهتمام ضئيل بهذه التقنية، نظرا لعدم وجود جدوى اقتصادية، في حين أن مرافق الطاقة بحاجة إلى أن تدفع من خلال التشريعات لإنفاق أموال كبيرة في هذه التقنية. التكلفة الهائلة للتنفيذ تعني أنه ما لم يكن هناك اختراق كبير في التقنية، فإن التقاط الكربون وخزنه سوف يحتاج إلى إعانات ضخمة لبناء مشاريع والشروع في خفض التكاليف.
في ظل هذه التعقيدات، تحتاج تقنية التقاط الكربون إلى دعم حقيقي وواضح يمكن أن يعطي صورة إيجابية حول فوائد هذه التقنية كي تحصل على تأييد صناع القرار، بما في ذلك التفويض والإعانات، التي ساعدت مصادر الطاقة المتجددة على الانطلاق لتصبح قادرة على المنافسة مع مصادر الطاقة الأخرى. يكمن جزء من المشكلة في كون تقنية التقاط الكربون وخزنه تقع ضمن مسؤولية عديد من الأطراف، ليس من الواضح بعد كيف سيتم تقاسم المخاطر والعوائد بين الجهات المعنية المختلفة – بما في ذلك منتجو الوقود الأحفوري، محطات توليد الكهرباء أو غيرها من بواعث غاز الكربون، الشركات المتخصصة في التقاط الكربون، مواقع التخزين والعملاء المستفيدون من غاز ثاني أوكسيد الكربون.
تبقى تقنية التقاط الكربون سياسة مضمونة لعدد من شركات النفط والغاز، مثل شيفرون، رويال داتش شل، وشتات أويل، ضد مخاطر حقولهم في المناطق النائية في حال وضع ضوابط صارمة على الكربون في المستقبل. لكن من دون وجود هيكل لأسواق هذه التقنية يتيح تحقيق عوائد على الاستثمار وتحمل المخاطرة، لا توجد ضرورة اقتصادية ملحة لاتخاذ إجراءات جدية حتى الآن – ما عدا الحفاظ على هذا الخيار مفتوحا لعملية التحوط – مع إبقاء البحوث والمشاريع التجريبية للمساعدة على ايصال هذه التقنية إلى درجة تكون عندها جاهزة للتطبيق على نطاق واسع عند الحاجة.
إذا كان هناك حاجة لتقنية التقاط الكربون وخزنه، لا بد من اتخاذ خطوات كبيرة الآن لتكون جاهزة للتطبيق على نطاق واسع. في هذا الجانب، يشير المدافعون عن هذه التقنية إلى أن هناك حاجة ملحة الآن لاتخاذ خطوات كبيرة. تعد مشاريع التقاط الكربون وخزنه الكبيرة القائمة حاليا، مثل سد الحدود في كندا، مقاطعة كمبر في الولايات المتحدة ومشروع الوردة البيضاء المقترح في المملكة المتحدة، مهمة في المساعدة على خفض تكاليف المشاريع المستقبلية. لكن إضافة إلى هذه المشاريع، هناك حاجة إلى سيل مستمر من المشاريع الجديدة للمساهمة في خفض التكاليف. يجب أن يبدأ العمل في وقت مبكر كافٍ لتحديد وتقييم المكامن المحتملة لتخزين الكربون في الأماكن التي لا توجد فيها فرص الاستفادة من غاز ثاني أوكسيد الكربون.
المشاركة المستمرة من قبل شركات النفط الكبرى يمكن أن تكون حاسمة في هذا الجانب، خصوصا أن هناك الكثير من المرافق الصناعية في أوروبا تعاني أزمات مالية. كما أن من مصلحة شركات النفط الكبرى أن تحصل طفرة تكنولوجيا في تقنية التقاط الكربون وخزنه، خاصة إذا ما تعدت ضوابط الكربون محطات توليد الطاقة العاملة بالفحم لتشمل أيضا المصافي، عمليات الاستكشاف والإنتاج، ومحطات الطاقة العاملة بالغاز.
بالنظر للتعقيدات التي ينطوي عليها بناء نموذج عمل تجاري Business Model لعملية التقاط الكربون وخزنه، سوف تكون هناك حاجة أيضا إلى دعم حكومي قوي. ولكن بعض منتقدي هذه التقنية يشيرون إلى أن استمرار الحاجة إلى الدعم الحكومي هو نقطة ضعف حرجة لهذه التقنية، ملمحين إلى أن مصادر الطاقة المتجددة متطورة الآن بما يكفي لتقديم طريقة سهلة ورخيصة لخفض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون – يعتقد أن هذا هو السبب الرئيس للتلكؤ الكبير لهذه التقنية في أوروبا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي