فائض الإمدادات .. وتزايد الطلب على النفط
لا تزال أساسيات أسواق النفط الخام العالمية بعيدة كل البعد عن تحقيق التوازن. حيث تجاوز فائض العرض في الربع الأول من هذا العام 2.0 مليون برميل في اليوم، ما يقرب من نصفها وجدت طريقها إلى مخزون النفط الخام في الولايات المتحدة والصين. تدفق باقي الفائض من الإمدادات إلى مخزون الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والخزانات المستقلة. على الرغم من الفجوة الكبيرة بين العرض والطلب، ارتفعت أسعار خام برنت من 60 دولارا في بداية آذار (مارس) إلى 67 دولارا في نهاية نيسان (أبريل)، على افتراض أن يحصل توازن في أساسيات السوق خلال النصف الثاني من العام. في الوقع، في شهر أيار (مايو) بدأ مخزون النفط الخام الأمريكي في التراجع لأول مرة هذا العام، ما أعطى دعما لأسواق النفط.
على الرغم من انخفاض المخزون الأمريكي خلال هذا الشهر، لا يزال هناك كثير من النفط الخام في الخزانات بحاجة إلى التقليص. منذ تشرين الثاني (أكتوبر) 2014 وحتى نيسان (أبريل) أضافت الولايات المتحدة 115 مليون برميل إلى الخزانات التجارية، حسب إدارة معلومات الطاقة. في الفترة نفسها أضافت الصين أكثر من 90 مليون برميل. مع استمرار حالة التأجيل الحادة Contango، أي أن أسعار العقود المستقبلية (الآجلة) أعلى من الأسعار الفورية، في منحى أسعار النفوط الثلاثة القياسية ــ برنت في أوروبا، غرب تكساس الوسيط في الولايات المتحدة وعُمان في الشرق الأوسط ــ هناك حافز مالي لاستمرار تخزين النفط الخام. لكن تدفق النفط الخام إلى الخزانات من المتوقع أن يتباطأ قريبا، حيث إن الطلب القوي من المتوقع أن يشدد التوازن من الآن فصاعدا. حيث من المتوقع أن يرتفع الاستهلاك العالمي للنفط بنحو ثلاثة ملايين برميل في اليوم في حزيران (يونيو) مقابل الشهر الحالي. هذا الارتفاع سيسهم بصورة كبيرة في استيعاب فائض النفط الخام، على الرغم من أن دعم الطلب الكبير خلال حزيران (يونيو) على الأرجح سيضعف في الأشهر اللاحقة. لقد قام عديد من المنظمات المعنية ــ أوبك، وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة ــ ودور المعرفة، بإجراء تنقيحات تصاعدية على توقعاتها السابقة لنمو الطلب العالمي على النفط في النصف الأول من العام، في الوقت الحاضر، ترى هذه المنظمات أن يرتفع الطلب بنحو 1.2 مليون برميل في اليوم في المتوسط في عام 2015.
هذا الارتفاع في الطلب على النفط دعم هوامش أرباح التكرير العالمية، التي بقيت قوية في المناطق الرئيسة الثلاث ــ الولايات المتحدة، أوروبا وآسيا. في الوقت الحاضر، هوامش الأرباح بدأت تتراجع عن مستوياتها القياسية ومخزون المنتجات بدأ في الارتفاع في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ولكن إعادة بناء مخزون المنتجات لا يزال أمامه وقت. إن ذروة الطلب في فصل الصيف قاب قوسين أو أدنى والمصافي في آسيا في خضم موسم الصيانة، ما يعني أن هوامش أرباح التكرير العالمية ستظل قوية. كما أن هناك بعض مواطن الخلل في مصافي الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وخاصة في أمريكا اللاتينية، إفريقيا والاقتصادات الصغيرة في آسيا، أسهمت في دعم هوامش الأرباح، مما سمح لشركات التكرير للدول الأعضاء في منظمة التعاون بتشغيل مصافيها بمعدلات أعلى. ودعمت هوامش الأرباح أيضا نتيجة عدم ارتفاع معدلات تشغيل مصافي التكرير الجديدة في الشرق الأوسط كما كان متوقعا.
الأسواق تحت ضغط قوي من ارتفاع فائض الإمدادات، مع ذلك لا تزال أسعار النفط قوية وجميع منحنيات النفوط القياسية في حالة التأجيل. ما يشير إلى أن الأسواق الحالية متخمة بالإمدادات، في الوقت نفسه يظهر أيضا أن المضاربين يتوقعون نقصا في الإمدادات في المستقبل. على ما يبدو أن قوة الأسعار تغذيها توقعات بأن الأسعار المنخفضة ستؤثر بدرجة كافية في المعروض من خارج دول أوبك، وخاصة الولايات المتحدة، ما قد يؤدي إلى خفض الفائض الحالي وسط تزايد الطلب على النفط.
من ناحية العرض، انخفضت إمدادات النفط من خارج دول أوبك في نيسان (أبريل) بنحو 100 ألف برميل في اليوم مقارنة بالأشهر الأخيرة، ولكن يبدو أن هذا الانخفاض لا يمثل بداية الانكماش النهائي. تركيبة الانخفاض الشهري الأخير في الإمدادات لا تعكس تغيرا هيكليا، حيث إن معظم التخفيض كان في كندا ــ 85 ألف برميل في اليوم ــ نتيجة للإغلاق المؤقت لبعض وحدات التحسين في ألبرتا ضمن جدول الصيانة الدورية. علاوة على ذلك، واصل إنتاج الولايات المتحدة الارتفاع في نيسان (أبريل)، وإن كان بصورة متواضعة لم تتجاوز 85 ألف برميل في اليوم، في حين أن أكبر انخفاض في الإمدادات حدث خارج أمريكا الشمالية. حيث شهدت الصين انخفاضا شهريا بنحو 95 ألف برميل في اليوم، وروسيا بنحو 75 ألف برميل في اليوم مقارنة بآذار (مارس).
من ناحية دول منظمة أوبك، ارتفع الإنتاج السعودي بصورة كبيرة في الشهرين الماضيين، حيث وصل إنتاجها إلى مستوى قياسي في نيسان (أبريل) تجاوز 10.3 مليون برميل في اليوم. أسهم الإنتاج السعودي القوي إلى جانب الإنتاج العراقي في إيصال إمدادات أوبك إلى 30.8 مليون برميل في اليوم في نيسان (أبريل). وعلى الرغم من أن هذا المستوى متساو تقريبا لآذار (مارس)، إلا أنه أدى إلى ارتفاع إنتاج المنظمة فوق مستوى الطلب على نفطها، ما أسهم أيضا في زيادة فائض الإمدادات.