الصناعة ثقافة وقرارات استراتيجية
"تويوتا"، "سامســـونج"، "ســـوزوكي"، "هوندا"، "هيونداي"، "فورد"، وغيرها من الأسماء اللامعة في عالم الصناعة، بضائعها منتشرة في كل بلد، ويأتي ذكرها في المجالس عندما يرغب الفرد في شراء بضاعة من البضائع المرتبطة بهذه الأسماء من سيارات، أو تلفزيونات، أو كاميرات، أو غيرها مما تنتجه الشركات الحاملة لهذه الأسماء.
يكثر الحديث، وتداول هذه المسميات بهدف المقارنة لمعرفة الإيجابيات، والسلبيات، والأثمان، ويتطرق الحديث أحيانا إلى بلد المنشأ، وكيف تحول إلى بلد صناعي رائد، ومن بلد فقير إلى بلد غني خلال عقود، خاصة اليابان التي خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمرة، لكنها بنت نفسها بالاعتماد على عقول وسواعد أبنائها، والاستفادة من خبرات الدول الأخرى، رغم أنها قيدت باتفاقية قاسية، لكن مع ذلك تمكنت من تجاوز هذه الاتفاقية ببنودها حتى أصبحت واحدة من الدول المؤثرة في الاقتصاد العالمي.
كوريا الجنوبية، التي انفصلت عن جارتها الشمالية بعد حرب طاحنة بسبب النظام السياسي المتأثر بصراع الآيدولوجيا بين المعسكر الاشتراكي والرأسمالي، هي الأخرى تحولت إلى بلد صناعي رائد في مجال التقنية الدقيقة، والكبيرة، وتحولت من بلد فقير إلى بلد غني غزت بضائعه أسواق العالم، بل تحول إلى نموذج يحتذى به في النمو والتطور.
أمام هذه النماذج الرائدة يجد المرء نفسه أمام تساؤل جوهري لماذا، وكيف بلغت هذه الدول هذا الشأن، في حين الدول العربية عجزت عن التحرك نحو الأمام لتتحول من أوطان مستهلكة إلى أوطان منتجة لاحتياجاتها خاصة في مجال التقنية، والتي تنفق على استيرادها أموالا ضخمة؟ ومن أجل الإجابة عن هذا السؤال يمكن طرح أسئلة أخرى، هل الأسباب مرتبطة بالموارد الطبيعية كالبترول، والمعادن، والغاز، أم أن الأمر مرتبط بالإدارة خاصة العليا ورؤيتها الاستراتيجية، وما لديها من طموح في بناء وطنها، أم أن الأمر ذو علاقة بالثقافة الاجتماعية؟
في يقيني أن كل هذه الأسباب تمثل في مجموعها، أو منفردة أسبابا جوهرية في نمو الأوطان، أو تخلفها صناعيا فتوافر الموارد الطبيعية يشكل حافزا قويا للاتجاه نحو الصناعة متى ما توافرت الإرادة، وذلك بتحويل الموارد إلى منتجات صناعية يستفيد منها الوطن. الغريب أن معظم الأوطان العربية فيها من الموارد الطبيعية الكثير لكنها اتجهت إلى استثمار الموارد استثمارا مباشرا أي بصورتها الخام، فعلى سبيل المثال، البترول يشتق منه كثير من الصناعات، ولذا نجد بعض الدول تشتريه، وتحوله إلى منتجات أخرى لتصدره، وبأثمان باهظة إلى الدول المنتجة له، والتي لم تتجه إلى توظيفه في صناعات ومنتجات أخرى.
الثقافة الاجتماعية العامة تمثل عاملا أساسا في نمو وتطور أي مجتمع، فهي توجه الأفراد في اختياراتهم المهنية، وفي استثماراتهم، أو قد تثبطهم، وتصرفهم عن نشاط معين لوجود اتجاهات اجتماعية سلبية، وهذا ما يشاهد في بعض المجتمعات، حيث يكون التفضيل للأعمال المكتبية حتى لو كان دخلها محدودا مقابل ما يتحقق من مهنة أخرى لكنها غير محبذة اجتماعيا.
القرارات الاستراتيجية ترتبط غالبا بالإدارة العليا ونظرتها وخططها وسياساتها التي تنتهجها في تنمية الوطن، فدول قد تنتهج إدارتها التنمية الزراعية، وأخرى قد تتجه للتنمية الصناعية، وثالثة يقوم اقتصادها على الخدمات، وفي هذه المجالات خيارات منها في مجال الصناعة الصناعات الحربية، والصناعات الغذائية، والصناعات الثقيلة، والصناعات الدقيقة.
المملكة، لأن المادة الطبيعية المتوافرة لديها النفط، اتجهت للصناعات البتروكيماوية حتى أصبحت الصناعات السعودية في هذا المجال مميزة، ومنافسة على مستوى العالم حيث غزت أسواق العالم.
العلامات التجارية التي أشرت إليها في بداية المقال هي أسماء لأشخاص كان لهم دور بارز في تأسيس هذه الشركات العملاقة، ومن الوفاء لهم لم تتغير أسماء الشركات وهذا محفز معنوي لمن يأت بعدهم، إذ لم يتم تجيير الإنجاز لفرد لم يكن له إسهام بارز، أو أي دور، إما في الاختراع، أو في التأسيس، وهذا خلاف دول أخرى يجير الإنجاز لأفراد ليس لهم أي دور، ما يصيب أصحاب الإنجاز الحقيقي بالإحباط.