معنى الريادة والقيادة الاجتماعية

.. معظمنا لا يفتقد سعة الطموح، والحماسة له، ولكننا أحيانا نفتقد الطريق الصحيح المؤدي إلى تحقيقه، والقائد هو الذي يعرف كيف يقودنا إلى ذلك الطريق، وهو المعنى الأشمل للرائد الاجتماعي.
لو أنني أوجه سؤالا تأصيليا إليكم عن معنى الريادة، والقيادة، وبالذات في عمل أو مشروع في الحاضر ليكون مطروقا للمستقبل، فكيف ستجيبون؟
لكل منا إجابة، ولا تحمل هذه الإجابة ضرورة الصحة القاطعة، ولا الخطأ القاطع. في النهاية هي آراء وتصورات تصب في نهر واحد، ما يعني أن المعنى واضح، ولكن التفسير ليس مقياسا بمسطرة، وليس معادلة محكمة الطرفين، وليس قانونا لا ينفصم. القيادة والريادة الاجتماعية معنى عالمي إنساني واسع وفضفاض لا تدركه برأيي التفسيرات النظرية، ولا يمكن حصرها في قوالب نصية ضيقة. إنه معنى يقتنصه الشعور الإنساني، فردا، ومجموعة، وشعبا من أول طرفة عين. كيف؟ القيادة ليست إلا معنى لكن المهم هو الإنسان الذي يجسد هذه الصفة، لذا متابعو القائد يرونه تفسيرا للقيادة مشخصة في ذاته.. وكفى. وهذا ما نسميه الجمالية الذاتية، أو الكاريزما، كما أنه مغمور بهالات الحب والمهابة والاحترام. ولكم أن تسموه سحر الشخصية وطغيانها القوي على متابعيه.
كلنا نتفق أن الرئيس يختلف عن القائد لأن الأول تختاره الأنظمة، ومسالك التعيين. أما القائد فهو الذي لا يأتي تعيينه من سلطة أعلى بل التأييد الأقوى من تحت، من الجموع.. وتكون الجموع هي الأرض الصلبة التي يستوي عليها القائد ثابتا. إنه إيمان غير قابل للتفسير الحدي العلمي الأكاديمي الأكيد لاختيار الناس لشخص بعينه ليصل بهم لأهدافه، التي تتحول أهدافهم.
عندما يوجد القائد فإن الجموع لا يريدون منه سيرة شخصية، لا يريدون منه إثبات خبرات سابقة، ولا شهادات تحصيلية، ولا مواثيق اكتسابية. هم يستشعرونه بعقل آخر، عقل الوجدان. وعقل الوجدان عقل لا يخطئ الأثر الشخصي، مع احتمال كبير في قلة الدقة في دراسة قدرات القائد دراسة عقلية منهجية. وأظن أن هذا سيبقى ما بقيت البشرية، فتاريخ أنثروبولوجيا القيادة تخبرنا أن أكبر التغييرات التي حصلت في المجتمعات والحضارات والأمم هي من نتاج أعمال وأفكار رواد عصاميين. وهناك ظاهرة طالما وضعت تحت مجهر الأنثروبولوجيا وهي أن كثيرا من أولئك الرواد لم يكونوا من صنع الإدارة العلمية، وليس بالضرورة هم من حملة الشهادات. ولكنهم في أغلبهم، سواء أكانوا من أصحاب الشهادات الأكاديمية أم لا، طـبخت إرادتهم أفران التجارب الحياتية الواقعية، واستشعار استثنائي لحاجات الجموع وأمانيهم.
من هذه المفاهيم المختلفة للفهم العاطفي والعقلي والضميري للريادة الاجتماعية نصنف الرواد والقادة. والريادة هي التي تنقل المجتمع من مكان لمكان آخر، ومن مقام لمقام، ومن حالة لحالة، مهما صغرت المساحة أو كبرت، مهما ضاق الوقت أو رحب، مهما تعاظمت المهمة أو تضاءلت. ويمكن لرئيس معين أو موظف مرموق أن يجيد مهام وظيفته الرئيسة، ولكنه ليس دوما قادرا على أن يقود عملا رياديا اجتماعيا إلا إن توافرت له هذه الخلطة الغامضة والواضحة معا، الغامضة في التحليل والتفسير العلميين، والواضحة من أول لمحة عين كما أسلفنا.
وعندما تطرف عيون الناس على الإعجاب بشخص سيثقون به، فيسلمون له أثمن وأهم ما يمكن أن يعطيه إنسان لآخر.. الثقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي