الإيثيلين مصدر نهضة صناعة البتروكيماويات السعودية

الإيثيلين مصدر نهضة صناعة البتروكيماويات السعودية

تعد مادة الإيثيلين بلا منازع العمود الفقري للصناعات البتروكيماوية السعودية، وتعد هذه المادة الأساس في صناعات بوليمرات الإيثيلين بكل أنواعها، وأيضاً أساس صناعة مادة الإيثيلين جلايكول الأساسية لكثير من الصناعات البتروكيماوية الأخرى. ومن المفيد ذكره أن "سابك" هي أكبر منتج لهذه المادة في العالم، ويصل إنتاج "سابك" إلى 22 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي.
ويستطيع المراقب القول إن انفجار نهضة البتروكيماويات في المملكة بدأ حقيقة مع دخول مادة الإيثان إلى وحدات التكسير البخارية (حيث كانت تحرق قبل الأمر السامي الكريم بإنشاء "سابك")، ومن ثم تحويله إلى مادة الإيثيلين الاستراتيجية، حيث تحول بعدها إلى مادة البولي إيثيلين بأنواعها المتعددة وخصائصها المختلفة، وإلى مادة الإيثيلين جلايكول، وأيضاً تستخدم كمادة أساسية في صناعة الإيثيل بنزين التي تعد المادة الأساسية في صناعة البولي ستايرين، وتدخل مادة الإيثيلين في صناعة الكثير من المنتجات أخرى. وقد سبق كل هذا أن أنشأت حكومة المملكة مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، وتزويدهما بأحدث البنى التحتية للصناعات البتروكيماوية في الشرق الأوسط.
يحتوى الغاز غير المصاحب (لا علاقة للغاز غير المصاحب بإنتاج النفط) على ما قيمته 5 إلى 6 في المائة من غاز الإيثان، وأما غاز المصاحب والمرتبط مباشرة بزيادة قدرة المملكة الإنتاجية للنفط، فيحتوى على ما نسبته 15 إلى 20 في المائة من غاز الإيثان. وأما نسبة غاز الإيثان فيما يعرف بالغاز المكثف فتصل إلى نحو 10 في المائة. طبعاً لا يفوتنا ذكر أن كميات هائلة من الإيثيلين ستنتج من المجمعات البتروكيماوية المتحدة مع المصافي، وخاصة مع دخول هذه المصافي عصر التكامل مع الصناعات البتروكيماوية، حيث إن معظم مصافي المملكة الحديثة سوف تتطور وتزداد قيمتها الاستراتيجية والاقتصادية بإضافة مجمعات بتروكيماوية إلى جانبها، كما فعلت "أرامكو" السعودية مع مصفاة رابغ بإنشاء مجمع بترورابغ البتروكيماوي على أحدث المواصفات العالمية، كما يجري العمل الجاد للانتهاء من المراحل الأولية لمجمع رأس تنورة البتروكيماوي العالمي، حيث من المتوقع لهذا المجمع الطموح أن يكون من الأكبر عالميا. من هذا المنطلق فإن زيادة إنتاج المملكة للغاز بأنواعه والنفط وزيادة قدرة المملكة التكريرية سيحدث طفرة نوعية في إنتاج غاز الإيثان من حقول الغاز والنفط والإيثيلين من المصافي.
التوسع الكبير في إنتاج الإيثيلين سينعكس بالضرورة وبشكل رئيس على صناعة البولي إيثيلين (اللدائن الإيثيلية) والإيثيلين جلايكول وغيرها من المنتجات البتروكيماوية التي بدأت في نهاية السبعينيات من القرن الماضي في المملكة بوجود شريك أجنبي، حيث يستفاد منه في الأمور المتعلقة بالتقنية والتسويق في وقت لم تختبر البلاد هذه الصناعة، حيث قامت شراكات مع أمهات الشركات البتروكيماوية العالمية مثل "إكسون موبيل"، "شيفرون"، "باسل"، "شل"، "داو الكيميائية"، و"ميتسوبيشي" اليابانية، وقد أدى هذا الشريك دوره وأخذ ما له وأكثر.
استهلكت المملكة عام 2004 نحو 12 مليون طن من الإيثان (المصدر الرئيس للإيثيلين في المملكة) وطبقاً لمصادر وزارة البترول والثروة المعدنية، فإن هذا الاستهلاك سيرتفع عام 2010 إلى 16.7 مليون طن، أي بزيادة قدرها نحو 40 في المائة).
ويورد تقرير الإيثيلين لمجلة الغاز والنفط Oil & Gas Journal Mar.27,2006 أن مقدار ما أنتجته المملكة من الإيثيلين عام 2006 يصل إلى 6.85 مليون طن. وطبقاً للمختصين فإن تكلفة إنتاج طن الإيثيلين في المملكة تتراوح ما بين 200 و300 دولار لكل طن (هذا على أساس تسعيرة غاز الإيثان الحالية، حيث إن سعر طن الإيثان يقدر بـ 37 دولارا)، ما يعني أن إنتاج 6.85 مليون طن سنوياً يكلف نحو 685 مليون دولار. ويعرض الجدول (1) والمقتبس من موقع "أرقام" www.argaam.com أسعار الإيثيلين الحالية، وهي تتأرجح حول ألف دولار لكل طن. وعليه فإن صناعة الإيثيلين وإنتاجه في المملكة من الصناعات العالية الربحية.
من المتوقع أن يشهد العالم قفزات كبيرة في إنتاج الإيثيلين وكما هو مبين في الجدول (1)، فسوف يزداد الإنتاج العالمي في الفترة ما بين 2007 إلى 2012 بنحو 18 في المائة، ومعظم هذه الزيادة سوف تأتى من دول الخليج العربية (المملكة أهمها على الإطلاق) وإيران.
التوسع المستقبلي في إنتاج الإيثيلين في المملكة كبير، ومن المتوقع أن يصل هذا الإنتاج بعد سنوات قليلة إلى أكثر من 12 مليون طن سنوياً (هذا من غاز الإيثان فقط) مشكلاً ما نسبته نحو 10 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي للإيثيلين. فكثير من الشركات قد أعلنت سلفاً عن حجم مشاريعها وطاقاتها الإنتاجية. فشركة كيان سوف تنتج 1.35 مليون طن، و"ينساب" نحو 1.3 مليون طن. ومن جانب آخر أقيمت شراكة استراتيجية ما بين شركة الصحراء والتصنيع للبتروكيماويات و"سبكيم" (هذا الجانب السعودي ويملك 75 في المائة من هذه الشراكة، وأما الجانب الأجنبي فهو شركة باسل العالمية وتملك 25 في المائة) لإنتاج مليون طن من الإيثيلين، وأما المجموعة السعودية (بالشراكة مع "شيفرون") فسوف تنتج نحو 1.2 مليون طن والذي سوف يستخدم في صناعة مادة الستايرين، هذا غير التوسعات في الشركات الموجودة أصلا مثل توسعة شركة شرق. وبهذا تكون المملكة قد احتلت مكانة متقدمة جداً في إنتاج الإيثيلين، حيث تحتل "سابك" المرتبة الثالثة عالمياً بعد كل من شركة داو وشركة إكسون موبيل بحسب تقرير HSBC لعام 2006.
وبحسب التقرير نفسه فإن المملكة قد تحتل المرتبة الأولى عالميا قريبا (قبل 2010) بعد أن تبدأ الشركات الجديدة بالإنتاج والتوسعات في الشركات الحالية تأخذ مجرياتها، ولا سيما أن شركة "داو" أكبر منتج للإيثيلين في العالم، قد تشهد انخفاضاً في إنتاج الإيثيلين وإعادة ترتيب لأولوياتها الصناعية.
إن تصريح وزير البترول والثروة المعدنية في أيار (مايو) 2007م والمتعلق بالعمل الجاد على زيادة احتياطات المملكة من الغاز بنسبة 40 في المائة خلال الأعوام القليلة المقبلة، بتكثيف أعمال البحث والتنقيب، من شأنه أن يدفع الاقتصاد السعودي ويعزز مكانة المملكة كدولة رئيسة (الأهم عالميا) من الدول المصدرة لمصادر الطاقة المختلفة. كما أن إعلان المملكة عن زيادة طاقتها الإنتاجية للنفط إلى حدود 12.5 مليون برميل يومياً بحلول 2009 يعطينا بعض التصور على الطفرة النفطية المقبلة التي سوف تنعكس إيجابياً على صناعاتنا البتروكيماوية والكيميائية على حد سواء. وهذا ما دعا الوزير النعيمي لأن يتوقع أن تتقدم مكانة المملكة في الصناعات البتروكيماوية لتصبح من بين أهم الدول عالمياً (الثالثة عالميا) بتصنيع وتصدير المنتجات البتروكيماوية التقليدية والحديثة.
ويبقى السؤال: هل السياسات البتروكيماوية المتبعة في المملكة منذ ما يقارب الثلاثين عاماً ما زالت الأجدى والأنجع، أم أنه قد حان الوقت لتفقدها والوقوف عند سلبياتها وإيجابياتها؟
لاشك أن إنتاج هذه الكميات الهائلة من الإيثيلين له الكثير من الإيجابيات، التي تكمن في إنشاء الشركات البتروكيماوية السعودية الجديدة، وهو ما يعني وظائف جديدة وحركة اقتصادية وازدهار، ولكن ماذا عن أسعار المواد الخام كاللقيم الإيثان مثلاً؟ هل آن الأوان لدراستها من منطلق التغير المستمر والدائم لأسعار النفط والغاز في العالم؟
قبل 40 عاماً كان هذا الغاز يحرق، ما جعل بيعه بأي سعر وتحويله إلى صناعة مكسبا ومغنما. أعتقد أن الوقت الراهن يختلف عن تلك الحقبة، فالمملكة تمرست صناعة البتروكيماويات وأصبحت من الدول الرائدة في هذه الصناعة (الحقيقة كلنا نقدر الدور الذي تلعبه "سابك" في رفعة صناعة البتروكيماويات داخلياً وعالمياً)، وأصبح من الحكمة تطوير القوانين وجعلها تتلاءم مع معطيات المرحلة المقبلة، خاصة فيما يتعلق بالشريك الأجنبي وحصوله على أنواع اللقيم والطاقة بأسعار تكاد تكون الأرخص في العالم، ما جعل من أولويات الشركات البتروكيماوية الكبرى مثل "إكسون موبيل"، "باسل"، و"داو كيميكال" الدخول إلى عالم البتروكيماويات السعودي.

[email protected]

الأكثر قراءة