حقوق الجيران يا إيران
كانت إيران، وإلى عهد قريب من عصرها الحديث، دولة متواضعة، وإلى حد ما مسالمة، وتعرف قدرها بين جيرانها. ولكنها، بعد زوال الحكم الشاهنشاهي العريق، الذي كان يميل إلى الطريقة العلمانية والسياسة الغربية، تحولت إلى جمهورية دينية دكتاتورية، فغيرت المبادئ وانقلبت فيها الموازين. وبدأت تظهر من النيات المبطنة والأهداف التوسعية ما لا يتناسب مع حجمها ولا مع متطلبات العلاقات الدولية العصرية. ونسيت أو تناست أن الأيام دول، يوم لك ويوم عليك. فقد تمادت في تدخلها السافر في شؤون الشعب السوري في محاولة منها يائسة لمساعدة وإنقاذ حليفها بشار الأسد من أجل البقاء في الحكم، وهو ما تطمح إليه أيضا حكومة إسرائيل الصهيونية. وذلك على الرغم من عدوانيته وإبادته لأكثر من ثلاثمائة ألف من المواطنين العزل، نسبة كبيرة منهم من النساء والأطفال. ناهيك عن تشريد الملايين من السوريين نتيجة لطريقته البشعة في الإبادة الجماعية بواسطة البراميل (الإيرانية) المتفجرة التي يلقيها عشوائيا على المساكن والمرافق الحيوية العامة، دونما مراعاة للقيم الإنسانية. وبمجرد مغادرة معظم الجنود الأمريكان الأراضي العراقية، بعد غزو ظالم، التفتت إيران إلى جارتها العراق، تؤجج فيها الطائفية الممقوتة بين مختلف الأديان والمذاهب والأجناس. وليس خافيا على كل ذي بصيرة أن هدفها غير المعلن هو السيطرة على السياسة العراقية والاستيلاء على مقدرات وموارد شعب العراق، وهي تعلم أنها غير بريئة من تأجيج الوضع الداخلي هناك الذي قد لا يجهله القائمون على حكم طهران، هو أن معظم مكونات الشعوب الإيرانية المغلوبة على أمرها عبارة عن قنبلة موقوتة، بعد تسلط الولاية الدينية على جميع شؤون الحياة في إيران والتضييق على الحريات الفردية والجماعية. وقد تنفجر الأوضاع الداخلية في أي وقت، كردة فعل للممارسات التعسفية ضد فئات كبيرة من المجتمع الإيراني. ونحن لا نود لإخواننا الطيبين من الإيرانيين إلا كل خير، إن هم أعرضوا عن التدخل في شؤوننا الخاصة وعن التحريض على إثارة الفتن داخل مجتمعاتنا الخليجية. ولكن، هيهات!
فقد كنا نظن أن أهداف إيران العدوانية ستنحصر في الجارتين المنكوبتين، سورية والعراق. وإذا بنا نفاجأ بمد نفوذها وأطماعها إلى اليمن السعيد، لتوجد منه يمنا تعيسا. فأوعزت إلى إحدى الطوائف اليمنية العميلة، وهي «الحوثية»، وأمدتها بالسلاح والإعلام والمعونات اللوجستية والمالية من أجل تغيير معالم ذلك البلد الطيب، ومن ثم احتواؤه وتحويله إلى قاعدة فارسية متقدمة. حتى إننا بدأنا في الجانب الغربي من الخليج نسمع صدى أبواق الفرس وهي تردد، على مسمع من القاصي والداني، التهديد والوعيد بأن من أهدافهم التوسعية التمكن من شؤون الحرمين الشريفين. ونحن نقول لهم: ساء ما تضمرون. وإنك لتعجب لقوم لا يزالون، منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة، والحقد يملأ قلوبهم على أمة حملت إليهم نور الإسلام المسالم العظيم، تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله". وأبلغوهم رسالة نبي الهدى، محمد عليه الصلاة وأفضل التسليم. ونحن، وإن كنا لا نريد منهم جزاء ولا شكورا، إلا أننا كنا نطمح إلى سماع ما يدل على الرضا والقبول.
أما وقد أحسسنا بدنو الخطر الإيراني من حدودنا والتهديد المباشر لأمننا فقد كان لا بد لنا من نصرة إخوان لنا في اليمن، طلبوا منا، بصفتهم الشرعية، المساعدة وإنقاذ بلادهم من احتمال احتلال فارسي أسسه طائفية. وبتوفيق من الله، هبت رياح العز تمخر عباب السماء بعد منتصف الليل، ليكتب التأريخ لنا فخرا جديدا ونصرة لأهل اليمن الأشقاء ضد عدو شرس عبرت بواخره الخليج والمحيط وهدد مضيق باب المندب الحيوي، فاغرا فاه لمزيد من التقدم غربا ومحاولا الالتفاف حول بلاد الحرمين الشريفين. ولكنها إرادة الله الذي أرسل إلى أصحاب الفيل طيرا أبابيل. لم تمكنهم هذه المرة، عاصفة الخير، من عبور الحدود، كما كان قد فعل صاحب الفيل.
وكأننا باليمن الجديد يعود إن شاء الله إلى عهده السعيد، وقد اكتسب أهله من المحن والعبر ما يؤهلهم لأن يجتمعوا ويقفوا وقفة رجل واحد ويختاروا قيادتهم بأنفسهم، ليقيموا لبلادهم حكما عادلا يضمن للجميع حرية الإنسان والعيش بسلام وتآلف واطمئنان، لمختلف الطوائف والمذاهب. وستجدون يا أهل اليمن منا، أهل الخليج، حسن الجيرة والتجاوز عما سلف وعما بدر من البعض من إنكار للمعروف وعودة العلاقات الأخوية الحميمة إلى أفضل مما كانت عليه قبل 25 عاما مضت. وإذا استتب الأمر وعادت الأمور إلى طبيعتها والمياه إلى مجاريها، فإننا نرجو من الله أن يرفع من مستوى التعاون الاستثماري والصناعي بين بلداننا الخليجية واليمن، ولا نستثني الصناعة النفطية، خبرة وتدريبا. حيث نأمل أن يكون هناك تعاون وثيق وكبير وفعال بين المسؤولين في نواحي الاستكشاف والإنتاج النفطي والتكرير والتسويق في بلداننا الخليجية، ومن ضمنها اليمن، بدلا من الاعتماد على الشركات الأجنبية، ونحن ولله الحمد نملك الخبرة العملية والعلمية والمال.
نتخيله إن شاء الله يمنا أخضرَ بلا حروب ولا نزاعات، وبلدا سياحيا جميلا، بما حباه الله من المناظر الطبيعية وطيب وكرم شعبه المضياف.