قرار مجلس الأمن لضمان الاستقرار
تصدى مجلس الأمن وهو أهم المنظمات والمؤسسات الدولية المتفرعة عن الأمم المتحدة لما يجري في اليمن واتخذ قرارا يتعامل مع الوضع على أنه تهديد للأمن والسلم الدوليين، وينعكس بآثاره الخطيرة على الاستقرار في الشرق الأوسط وفي الدول المجاورة، وقام بإصدار القرار الفاصل وإدراج الأحداث في اليمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهو قرار توقع البعض من الخبراء عدم صدوره، بل ذهب بعضهم إلى أن دولة أو أكثر سوف تتخذ موقفا مضادا وتستخدم حق النقض (الفيتو) لمنع صدور القرار ولكن ما حصل عكس ذلك تماما، فقد تم تأييد القرار بالإجماع مع امتناع روسيا فقط عن التصويت.
ربما يقول البعض، إن روسيا لا يهمها الوضع في جنوب الجزيرة العربية والعكس هو الصحيح، فالموقف الروسي من السياسة الخارجية لإيران في غاية الوضوح، ولكن ما هو أكثر وضوحا أن القضية برمتها والأزمة بخطورتها وبظلالها على المنطقة والإقليم ليست في صالح الأمن والسلم الدوليين، كما أن الموقع الاستراتيجي لمكان الصراع وقربه من المضائق الدولية البحرية التي تعتبر متنفسا للتجارة الدولية بين قارات العالم جعل الأمر يتجاوز حدود المساومة السياسية أو استخدام وسائل الابتزاز في صناعة موقف تتبناه دولة أو أكثر ولعل الشاهد القريب لما جرى ويجري في أماكن قريبة كانت فيها إيران اللاعب الرئيس جعل الأمر محسوما قبل التصويت عليه.
إن الموقف الذي اتخذته المملكة من قيادة "عاصفة الحزم" وعدم ترك الأمر يتفاقم ويتطور لدرجة تصبح أي عملية تصحيح صعبة أو عسيرة المنال ساعد لكي تتخذ دول كثيرة موقف المساندة والتأييد على الصعيدين السياسي والعسكري حتى الصعيد الإعلامي وهذا نابع من معرفة تلك الدول ومنها دول التحالف والمجتمع الدولي بأن المملكة تتبنى دائما الموقف السلمي وهي آخر دولة تفكر في استخدام القوة من أجل فرض ما تراه ومن هنا توافرت القناعة حتى لدى الدول الأعضاء في مجلس الأمن لعدم عرقلة القرار، بل تأييده لأن المملكة هي الدولة الأكبر مساحة في المنطقة والأكثر تأثيرا في الاقتصاد الدولي لها رؤية لما يجب أن يكون في أرض الواقع.
لقد وصلت الأوضاع في اليمن إلى درجة أن الرئيس الشرعي للجمهورية أصبح أسيرا في يد قلة ممن تريد أن تعيد اليمن للوراء، فقد انتهت مرحلة الفوضى بعد الثورة وبدأت اتفاقية السلم والشراكة لتكون هي الأمل في استقرار اليمن، ومنع الانفراد بمستقبل دولة جار للمملكة تتبادل معنا حدودا لا تقل عن ثمانمائة كيلو متر فضلا عن الحدود البحرية وحدث ولا حرج عن ذلك التمازج بين السكان في المناطق الحدودية المشتركة بين الدولتين، ما يعني أن المملكة هي الدولة الأكثر تضررا من انهيار الأمن والاستقرار في اليمن وسوف تتحمل وحدها الكثير من الآثار السلبية.
الآن هناك تراجع كبير في مواقف الميليشيات وقوات الرئيس المخلوع ومن يساندهم من المستفيدين من حالة الحرب وعدم الاستقرار، وقد أثمرت الطلعات الجوية والقصف المركز على مواقعهم العسكرية، حيث يقوم المتحدث الرسمي لقوات التحالف بإيجاز الأحداث أولا بأول وتوضيح ما يجري بكل شفافية للجمهور وللإعلام وللدول المتابعة للأحداث، وواضح أن هناك معلومات دقيقة مدعمة بالأرقام وتعطي للمتابعين الصورة الصحيحة عن قرب في حين أن ما يقوم به معسكر الرئيس المخلوع ومن معه من الميليشيات يبدو نوعا من الحرب الإعلامية المضادة التي تصب في مصلحة التشكيك بكل الطرق الممكنة مع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتكرار المعلومات المغلوطة من أجل إيجاد قناعة بها.
على الرغم من أن الرسائل التي وصلت للقيادة السياسية لدول التحالف في "عاصفة الحزم" هي رسالة استسلام ورغبة في وقف حالة الذعر والانهيار الكامل في صفوف قوات الرئيس المخلوع ومن معه من الميليشيات، إلا أن أي عرض لن يكون مقبولا في ظل عدم عودة الشرعية لليمن وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقا من قبل الانقلاب على الشرعية حيث بدا واضحا أن هناك خيانة سياسية قام بها الرئيس المخلوع من أجل استعادة السلطة والتحالف مع جماعة الحوثي على حساب المبادرة الخليجية المنطلقة فقط من مصلحة اليمن، فهو الحاضر الغائب عن المشهد في حوارات الانقلابيين الذين أصبحوا مطية لمن يستخدمهم اليوم في إفشال المبادرة وسوف يستخدمهم غدا فيما هو أسوأ من ذلك.
ولعل موقفا قريبا من ذلك قامت به إيران ومن خلال رسائل دبلوماسية من أجل إيقاف "عاصفة الحزم" ومنع استمرارها في إضعاف الحوثي ومن معه من الانقلابيين الذين يريدون التقاط أنفاسهم وإعادة ترتيب أوضاعهم من جديد ليقوموا باستكمال مشروعهم الذي لا يخدم اليمن وهي الدولة العربية التي شهد التاريخ بدورها في دعم قضايا الأمة العربية والوقوف صفا واحدا مع دول الجوار وفي مقدمتها المملكة التي قدمت الكثير من أجل منع انزلاق اليمن في دائرة الفوضى وهي قضية لا يزال الرئيس المخلوع بعيدا عن فهمها وإدراكها لأنه لم يعد يرى أمامه سوى مشروع غير عربي يقوم فيه بدور اللاعب المنفذ والمستفيد هو وتحالفاته القديمة التي أثبتت أنها تدور في فلك غير عربي.
قطعا سوف تتوقف الحرب قريبا وتعود اليمن لتكون دولة استقرار تبني ما خربته أيادي الحوثي ومن معه من بقايا قوات الرئيس المخلوع الذي لن يكون لهم مستقبل سياسي في اليمن الجديد وهو يمن ما بعد استئصال قوى العدوان والتآمر ضد شعب الجزيرة، وهو شعب واحد، ومستقبل واحد، وقيادة عربية تسعى لتوحيد الصف ومنع الفرقة والاختلاف وسد باب التغلغل الخطير الذي يحدق بالمنطقة تحت مظلة أصبحت واضحة للجميع أنها لا تريد الخير لشعوب المنطقة وأن أياديها ملطخة بالدماء في العراق والشام.