الجمعية الأهلية لمعالجة أوضاع المتخلفين
تتشرف بلادنا بخدمة الحرمين الشريفين اللذين تهفو إليهما قلوب المسلمين من أنحاء العالم كافة حجاجا وعمارا وزوارا، كما تتميز بلادنا الغنية, ولله الحمد, بحدود طويلة محاذية وقريبة من عدة دول تعاني مشكلات اقتصادية ما جعلها قبلة لشعوب تلك الدول بهدف تحسين مستواهم الاقتصادي.
وبلادنا أتاحت عدة قنوات نظامية لمن يرغب في العمل أو الحج أو العمرة أو الزيارة أو حتى من يرغب في السياحة، وهي قنوات دخل منها الكثير من الإخوة الوافدين من أنحاء العالم كافة وحقق مبتغاه بطريقة نظامية، إلا أن قلة منهم تحولت من الصفة النظامية إلى الصفة غير النظامية، هذه القلة بدأت تتراكم حتى أصبحت كثرة تشكل ظاهرة خطيرة يجب التعامل معها بسرعة وحزم، وإذأ أضفنا إلى ذلك الأعداد الكبيرة التي تدخل البلاد بطريقة غير نظامية فإن هذه الظاهرة تصبح أزمة تحتاج إلى تضافر الجهود الحكومية والشعبية معا لمعالجتها.
ما تنشره الصحافة يؤكد أن معظم المتخلفين يتركز في المناطق الغربية, الوسطي, والشرقية، ويؤكد أن الغالبية الأعظم تتركز في المنطقة الغربية على اعتبار أن معظم المتخلفين هم من جاؤوا بتأشيرات حج وعمرة ومكثوا في البلاد بصيغة غير نظامية حتى استطاعوا أن يشكلوا واقعا مريرا أسس لبؤر غير قانونية أصبحت مرتعا للجريمة بجميع أنواعها ورمزا مؤلما للانحطاط الاجتماعي.
الشعب السعودي يمتاز بل ويفتخر بكرم الضيافة والبذل والعطاء ونصرة الضعيف وإغاثة الملهوف، وهو ما جعل أفراد المجتمع السعودي يتعامل مع المتخلفين باعتبارهم ضعافا يبحثون عن لقمة العيش وبعطف ما جعلهم ينفقون على هؤلاء بشكل أو بآخر وعدم إبلاغ السلطات عنهم خوفا من الله، وهو ما أدى إلى صعوبة تتبع هؤلاء والقبض عليهم وإعادتهم إلى بلدانهم. وللعلم فإن الكثير من أثرياء بلادنا ينفقون الملايين سنويا على فقراء الحرم طلبا لرضى الخالق, سبحانه وتعالى، وهو ما أدى إلى توافر مستلزمات الحياة للمتخلفين دون جهد ومعاناة، ما شجعهم على الاستمرار في مخالفة النظام ، بل إن بعضهم استطاع توفير أموال كبيرة من صدقات المحسنين وإرسالها إلى أهله بشكل مستمر.
وإذا كان البعض من أفراد المجتمع السعودي ساعد هؤلاء على مخالفة النظام بحسن نية، فإن البعض الآخر وجد في هؤلاء غنيمة حيث وظفهم كعمالة غير نظامية رخيصة التكلفة ومغلوب على أمرها في خدمة مصالحه التجارية, وللأسف الشديد، وهو ما أسهم أيضا في تعزيز قدرات المتخلفين على الاستمرار في التخلف سنوات طويلة توالدوا خلالها وتكاثروا بمعدلات نمو عالية كما هو الحال لدى كل فقراء العالم, ما فاقم المشكلة أكثر وأكثر على اعتبار أن المواليد لا بلاد لهم سوى المملكة العربية السعودية.
تقول التقارير الصحافية إن أعداد المتخلفين زاد على مليوني نسمة بشكل ينذر بتغيير التركيبة السكانية في السعودية, وهو أمر غاية في الخطورة، كما تقول التقارير الصحافية إن هؤلاء أصبحوا يمثلون خطرا أمنيا على البلاد يتفاقم بمرور الزمن، خصوصا أنهم دون هوية تمكنهم من التعريف بأنفسهم وتمكنهم من تلقي العلاج والتعليم ما جعلهم كتلا بشرية جاهلة تشكل مرتعا لتكاثر الأمراض السارية وغير السارية.
ما الحل إذن؟ هل نترك الحكومة تتحرك وحدها لحل هذه القضية الشائكة والمعقدة؟ أعتقد أن الوضع لا يتحمل التأخير أولا، كما أن الوضع يحتاج إلى تضافر الجهود الحكومية الأهلية لمعالجة تلك المشكلة في أسرع وقت بمسارات متعددة أمنية وصحية وتعليمية، لوقف تدفق المتخلفين أولا وللتعامل مع المتخلفين الحاليين ثانيا.
وحيث إن الحكومة تقوم حاليا بجهود كبيرة في هذا المجال دون أي دعم أهلي، إن لم يكن على العكس إذا تواجه بتقاعس أهلي من ناحية كما تواجه بدعم أهلي لهؤلاء عن قصد وعن غير قصد من ناحية ثانية، أقول حيث إن الأمر كذلك فقد حان الأوان لمؤازرة الحكومة في جهودها، وأقترح أن يكون ذلك من خلال تشكيل جمعية أهلية يقوم عليها أهل الحل والعقد وأصحاب الأيادي البيضاء من أهالي الغربية، للإسهام في دراسة أزمة المتخلفين وتشخيصها واقتراح الحلول المناسبة لها وتطبيقها جنبا إلى جنب مع الأجهزة الحكومية لمعالجة تلك الأزمة في أسرع وقت ممكن ضمن المعطيات العالمية الحالية بما لا يؤثر في صورة بلادنا الإنسانية بين الأمم.
كلي ثقة بتقبل الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة هذه الفكرة, والذي من الواضح أنه أخذ حل تلك المشكلة على عاتقه كقضية لا تحتمل التأخير، وكلي ثقة أيضا بتدافع أهل الغربية لمساندة الحكومة في معالجة أزمة المتخلفين في أسرع وقت، وكلي ثقة كذلك بأن كل مشكلة يمكن حلها إذا خلصت النيات واستحضرت العزائم مع الإصرار على الحل، سائلين المولى, عز وجل, أن يوفقنا لخدمة حجاج وعمار وزوار الحرمين الشريفين اللذين شرفنا الله بخدمتهما.