ما سر انجذابهم لـ «داعش»؟
* أهلا بكم في مقتطفات السبت رقم 554
***
* حافزالسبت:
حذار من أن نكون ملاكا للحقيقة. ملاكو الحقيقة لا يتفاهمون، بل يتصادمون.. ويصادمون.
***
* الرأي:
يقول "نايلز بوهر" العالم النووي الدنماركي الأشهر الحائز على جائزة نوبل في عام 1922، الذي يعتبر الأب الشرعي لنظرية الكوانتم الفيزيائية إن المراقب لا يمكن عزله عن موضوع مراقبته أو تجربته فهو عامل مؤثر ومتأثر بها. فلا يمكن مثلا بالتجريد العلمي أن يقول مصور إنه أخذ صورة لمكان لم تطأه قدم بشرية، لأن هذا غير صحيح فقدمه هو بشرية إذن وهو يأخذ الصورة يكون المكان استبيحت عذريته بقدمه هو، وبالتالي لم يعد المكان مكانا لم تطأه قدم بشـري. إن من أسباب انتشار العنف المنسوب للدين هو عدم شعور الناصحين من علماء الأمة أنهم من التجربة والمشهد ذاته، وأنهم يتأثرون كما يحاولون أن يؤثروا. يعني أن الناصحين الموجهين من الشرعيين المطلعين العالمين تنتهي قدرتهم الذهنية على التعامل مع النصح للعامة متى ظنوا أنهم يراقبونهم بلا أن يتأثروا بهم، بلا أن يكونوا وسطهم، وسط التجربة ذاتها. انعزال المصلح عن الشعور بما يعتلج في قلوب العامة هو التقوقع النهائي في "ملكية الحقيقة" التي تحدثنا عنها بحيث لا يستطيع أن يدعو، بل يتصادم ويغضب. حتى إن كان لغضبته ومصادمته سند حقيقي، إلا أن المقياس في الإسلام وفي دعوته هي النفع، والنفع لا بد أن يكون من واقع التجربة ومعرفة مشاعر الناس، وبالذات المعرفة الجيدة لاضطراباتهم وانحرافاتهم.. حتى يمكنهم أن يقوموها بمساعدة المضطرب لنفسه، وهنا يكون أقوم أنواع الإصلاح. يعني أن المصلحين وباقي الناس من المخالفين أو الجاهلين ليسا جبهتـي قتال، بل جبهة واحدة تحاول أن تلتئم بشكل صحيح، كما يصحح الجسد الصحيح خلاياه غير الصحيحة.
***
* الموضوع:
ما جاذبية "داعش" للمراهقين بالذات؟ بل ما جاذبية "داعش" للمراهقات والشابات بالذات؟ بل ما جاذبية "داعش" للمراهقات الأوروبيات والغربيات عموما؟ إن فهمنا انجذاب شباب لـ"داعش" بحكم عوامل نفسية ودينية وتثقيفية، فما هو سر انجذاب الفتيات، بل الأوروبيات أو من يعشن في أوروبا من الفتيات، حيث تتفتح لهن الحياة الرغيدة والمدنية المفتوحة؟ أميرة حسين بنت عمرها 15 سنة تعيش حياة عادية مثل أترابها من البريطانيات، تقوم متعمدة وبتخطيط يعجز عنه الكبار مع صديقتيها شميمة بيجوم وخديجة سلطانة وهما بعمرها، ويتفوقن على أعتى أجهزة المخابرات البريطانية والتركية، حيث يصلن تركيا ثم يعبرنها بمشقة أسطورية عبر حدودها الجنوبية للأراضي السورية للالتحاق بـ"داعش"، وبقيت عائلاتهن في بريطانيا يلطمون ويطالبون بإرجاعهن.. ولكن هيهات. هنا لا أورد خبرا، بل أضع سؤالا حرت في الإجابة عليه: "ما سر جاذبية (داعش)؟" بل ما الأسباب التي جعلت "داعش" تشكل جذبا رغم واجهتها الدموية لشباب وشابات في عمر الورد. إن أول مجابهة لـ"داعش" هي في فهم انجذاب هؤلاء إليها، وفيما يدفع الصغار لتحمل مشقات فوق القدرة العادية للانضمام للدولة؟ هل ساهمنا نحن كآباء وكمربين وكشرعيين وكتربويين بذلك مباشرة أو بغير مباشرة؟ إن فهمنا لهذا السر هو أجدى لمواجهة "داعش" من الحومان حول السؤال: كيف صارت "داعش"؟
***
* والمهم:
حذار أن نفقد أبناءنا وبناتنا وبقية ناسنا، عندما نحبهم ونحاول إصلاحهم، ونحن عنهم.. منفصلون تماما.