«المجلس الاقتصادي» فرصة لتكامل الخدمات الصحية
لدى وزير الصحة ووزير التعليم فرصة ذهبية لتحقيق أحد أهداف مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. فوزيرا الصحة والتعليم يمكنهما دعم المجلس في تحقيق أحد أهدافه التنموية عبر تكامل الخدمات فيما بينهما، خصوصا إذا كان هذا التكامل سيحقق تنمية مجتمعية واستثمارا أمثل لموادنا البشرية والمالية. فكما هو معلوم أن التعليم والصحة يستحوذان على الشريحة الكبرى من الميزانية السنوية للدولة، ما يجعل الاهتمام باستثمار ميزانيتهما أولوية لصانع القرار. فكل تشريع أو تنظيم يسهم في تكامل وتناغم بين هذين القطاعين سيسرع العملية التنموية ويقلل الهدر المالي من الميزانية الحكومية. ولعلي في هذا المقال أوضح بعض الطرق التي تسهم في تحقيق هذه الغاية.
قد نتفق على أن النظام الصحي السعودي يعاني تشتتاً في مصروفاته وغيابا في ترتيب أولويات الإنفاق الصحي "وقد سبق أن نشرت مقالا علميا حول هذا الموضوع". فالميزانية الصحية تعاني غزارة في الإنتاج وسوءا في التوزيع، ما يفقد هذه الميزانيات أثرها في مستوى الخدمات الصحية بصورة يلمسها المواطن. فحاليا يتم تشييد عديد من المشاريع الصحية التنموية التابعة لعديد من القطاعات الحكومية "وزارة الصحة، وزارة التعليم، وزارة الدفاع، وزارة الحرس، ووزارة الداخلية". ومن ضمن هذه المشاريع التنموية، إنشاء عديد من المستشفيات الجامعية كجزء من منظمة الكليات الصحية "كلية الطب وطب الأسنان والعلوم الطبية والصيدلة والتمريض". التابعة لتلك الجامعات الناشئة. هذه المستشفيات الجامعية ستمكن وزارة التعليم لأن تصبح المقدم الثاني للخدمات الصحية من حيث عدد الأسرَّة بعد وزارة الصحة بمجموع أسرَّة سيصل إلى 12 ألف سرير عام 1440هـ.
لا شك أن كلا من وزارة الصحة والوزارات الحكومية الأخرى تعاني حاليا صعوبة في إكمال مشاريعها الإنشائية. كما أن جميع المستشفيات الحكومية دون استثناء التي تم الانتهاء من تشييدها تواجه صعوبات كبيرة في تشغيلها، نظرا لعدم توافر الكوادر اللازمة لتشغيلها، وصعوبات أخرى لوجستية تتعلق بالتجهيزات وشراء المستلزمات الصحية، إلى غير ذلك.
ولا شك أن حجم المشكلة يزداد سوءا لدى المستشفيات التي يتم تشييدها في المناطق النائية سواء أكانت تلك المستشفيات تابعة لوزارة الصحة أم لوزارة التعليم. ولعل التحدي الأكبر ليس الانتهاء من تنفيذ تلك المشاريع ولكن كيفية تشغيلها وتوظيف الكفاءات الطبية اللازمة لتشغيل تلك المستشفيات.
فعلى الرغم من أن بعض المناطق النائية محدودة السكان لكن يتم إنشاء وتجهيز أكثر من مستشفى، بسبب أن بعض هذه المستشفيات تابع لوزارة الصحة والبعض الآخر تابع لبعض الجامعات الناشئة والبعض الآخر تابع لوزارة الدفاع أو وزارة الحرس الوطني. هذه الازدواجية أو التعددية في عدد المستشفيات وفي مناطق محدودة السكان يكلف الدولة حاليا مبالغ عالية في التشييد والتجهيز والتشغيل مستقبلا. لذا فمن المتوقع أن يكون في بعض المناطق أكثر من مستشفى بسبب اختلاف المرجعية الإدارية والوزارية بعبارة أدق. لذا فللأسف إنه من المتوقع أن تؤدي هذه الازدواجية في عدد المستشفيات "لأن بعضا منها تابع لوزارة التعليم والبعض الآخر تابع لوزارة الصحة" في مناطق محدودة من السكان إلى تكاليف عالية وجودة سيئة، كون الخدمة المقدمة من كل منها محدودة على مستوى الشريحة المستهدفة أو عدد الأسرَّة. كما أن هذه المستشفيات المحدودة الخدمة ستواجه تحديات لاستقطاب الكفاءات الصحية والطبية اللازمة لتشغيلها. كما أن أعداد الأسرَّة في المستشفيات التابعة للجامعات الناشئة محدودة، ما يضعف الممارسة الطبية فيها من جهة ويرفع من تكلفتها المادية لتلك الأسرَّة من جهة ثانية. وكما تخبرنا اقتصاديات الصحة أن المستشفيات التي تقل فيها أعداد الأسرَّة عن 300 سرير تكون التكلفة لتشغيلها فيها عالية، ولا ينصح بها للعوامل التي ذكرت بعضا منها.
لذا فمن أجل مواجهة هذه الصعوبات الحالية والمستقبلية، فإني أقترح على وزير الصحة ووزير التعليم العمل سويا على تكامل الخدمة بين القطاعين ورفع شعار الأولية لاحتياج المواطن وليس لاحتياج القطاع، خصوصا في المناطق البعيدة عن المدن الرئيسة. ولعلي في المقال الآخر أفصل في كيفية تحقيق هذه الغاية.