كم من الوقت تحتاج دول الخليج لإنشاء محطات نووية سلمية؟
في الحلقات الماضية تم التوصل إلى أهمية الطاقة النووية كطاقة للمستقبل. يستعمل في المملكة النفط والغاز الطبيعي بكميات كبيرة لتلبية حاجة المملكة من الطاقة، من أكبر مشكلات الطاقة الأحفورية كثرة انبعاث مركبات الكربون ملوثة الأجواء ومساهمة في ظاهرة الاحتباس الحراري التي بدأنا نلمس آثارها في التغيرات المناخية.
وعلى الصعيد العالمي، من المتوقع أن تسهم الطاقة الأحفورية المستعملة في توليد الكهرباء بنحو 40 في المائة من غازات الكربون المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري عام 2020. وفى الولايات المتحدة نشرت دراسة من معهد MIT مفادها أن 90 في المائة من انبعاثات الكربون الناتجة من محطات توليد الكهرباء قادمة من المحطات التي تعمل على الفحم الحجري، رغم أن محطات الفحم هذه تنتج نحو 52 في المائة من الكهرباء في أمريكا.
أعلنت دول الخليج عن رغبتها في امتلاك الطاقة النووية السلمية من أجل شعوبها والمحافظة على ثرواتها النفطية والغازية وهذه رغبة وطموح مشروعان. فالطاقة النووية تستخدم بدول أقل شأنا من دول الخليج التي تعد من أكثر دول العالم استقراراً وسلما. إن الخيار النووي السلمي قد يكون الحل الأمثل لمستقبل أجيال هذه الدول الصحراوية إن تم إعداد العدة اللازمة لهذا الهدف الاستراتيجي.
إن بناء المحطات النووية لإنتاج الطاقة ليس بالشيء السهل، وهو بحاجة إلى استثمارات كبيرة بالرجال والمال. أما من ناحية تكلفة إنشاء المحطات النووية لإنتاج الطاقة، فإن من المسلم به أنها عالية التكلفة، أي أنها تتطلب رأسمالا عاليا مقارنة بالمحطات التقليدية والتي تعمل على الغاز أو النفط. وكأي مشروع فإن هنالك ثلاثة عناصر رئيسة للتكلفة الإجمالية لإنتاج الطاقة من المفاعلات النووية، وهي:
1) تكاليف رأس المال "تكاليف البناء والإنشاء".
2) تكلفة التشغيل والوقود.
3) تكلفة الصيانة.
ولو قارنا هذه التكاليف الثلاثة لوجدنا أن تكلفة الإنشاء الأصلية قد تصل إلى ثلاثة أرباع التكلفة الإجمالية، بينما تكلفة الإنشاء في محطات الغاز والفحم والنفط (التقليدية) قد تصل إلى 20 في المائة فقط من التكلفة الكلية للمشروع.
ومن الجدير بالذكر أن تكلفة بناء المحطات النووية أعلى 3 إلى 4 مرات من تكلفة بناء المحطات التقليدية، طبعاً المحطات النووية تعد أكبر بكثير من المحطات التقليدية لأنها تنتج الكثير من الطاقة، فمثلاً بعض المحطات النووية الحديثة قادرة على إنتاج ألف ميجاوات، وأيضاً بعضها وصل إلى 1600 ميجاوات Areva’s EPR، بينما تبقى طاقة إنتاج المحطات التقليدية بحدود 300 إلى 800 ميجاوات.
إن إنشاء المحطات النووية بحاجة لوقت تحضيري طويل من أجل التخطيط واستخراج التراخيص المطلوبة، سواء من أصحاب التقنية أو من الإدارة المحلية، وأيضاً البناء والتشييد نفسه يستهلك الكثير من الوقت. وقد يطرح سؤال وهو كم من الوقت قد يحتاج بلد ما لإنشاء محطة نووية تمتلك أحدث قواعد السلامة وتعد قمة في التقنية والإنتاج؟ والجواب هنا أنه بحسب البلد، فإذا كان البلد أصلاً يعد من البلدان التي تمتلك التقنية النووية فإنه ما بين التخطيط واتخاذ القرارات السلمية والبناء والتشييد فإنه قد تأخذ من سبع إلى 15 سنة من فكرة إلى مرحلة الإنتاج الفعلي.
أما في البلدان التي لا تملك أي خبرات فعلية في مجال استخدام المحطات النووية (مثل دول الخليج العربية) فإن هذه الدول، وبحسب التقارير العالمية، بحاجة أولاً إلى إنشاء مؤسسات وإدارات تكون أولوياتها دراسات مثل هذه المشاريع والقيام عليها، وأيضاً إنشاء هيكل تنظيمي يستطيع أن يرقى بمثل هذه المشاريع ويجهز لها البنية التحتية اللازمة ويختار المواقع الجغرافية المناسبة لمثل هذه المحطات، وأهم من كل هذا العمل على إنشاء جيل مدرب ومسؤول يكون قادرا على حمل مثل هذه الأمانة التي قد يكون الوطن في أمسّ الحاجة لها بعد عشرات السنين. ولإنجاز كل هذا قد يحتاج البلد غير النووي إلى عشرات السنين لتجهيز البنية التحتية المناسبة لإنشاء أول محطة نووية سلمية. من هنا نستطيع أن ندرك أن البلدان التي لا يوجد لديها برامج نووية فاعلة وقادرة على إنتاج الطاقة يجب عليها البدء من الآن لأن الكثير من دول الجوار قد سبقتها لذلك.
إن إنشاء مؤسسة للطاقة النووية تعني بمثل هذه المشاريع الطموحة قد يكون حان وقته. ويعرض الجدول رقم 1 التوسعات المستقبلية في الطاقة النووية لتوليد الكهرباء. وكما هو واضح في الجدول أن كوريا الجنوبية واليابان بصدد رفع حصة الطاقة النووية في توليد الكهرباء إلى 40 في المائة في عام 2030. ودول أوروبا الصناعية الكبرى سترفع هذه الحصة إلى نحو 30 في المائة.
ومن اللافت للنظر أن للهند مشاريع مستقبلية من شأنها أن تولد 12 في المائة من كهربائها بواسطة الطاقة النووية في عام 2030. جدول 1، والمقتبس من التقرير العالمي للطاقة، لا يدهشنا حينما يعرض دول الشرق الأوسط وإفريقيا في ذيل القائمة بنسبة 1 في المائة في عام 2030. والحقيقة أن هذه النسبة الضئيلة تعود لجنوب إفريقيا وإسرائيل، وأما الدول العربية والإفريقية فنصيبها من هذه الطاقة صفر. إذاً كثير من دول العالم تشهد توسعات في استعمال الطاقة النووية لتوليد الكهرباء (جدول 1)، وكثير من هذه الدول ليست لها مكانة دول الخليج العربية وتمتلك التقنية النووية مثل أرمينيا وبلغاريا أو أنها أعلنت رغبتها القوية لامتلاكها مثل فيتنام.
على دول الخليج أن تتعاون مع الدول التي سبقتها في مجال الطاقة النووية، فالدول الاسكندنافية مثل السويد وفنلندا تمتلك تقنيات على أعلى المستويات ولها سجل عريق في سلامة وصيانة مفاعلاتها النووية، وليس لها أي طموح أو نوايا في المنطقة، لذلك فإنه من الحكمة بدء التواصل مع هذه الدول وعلى أنظار العالم وتحت إشراف ومراقبة المنظمة الدولية للطاقة النووية لإقامة مشاريع الطاقة النووية السلمية لإضاءة مستقبلنا وأجيالنا المقبلة. إن مثل هذه المشاريع الجبارة لا تحقق بالتمني، وإنما بالتخطيط السليم والعمل الجاد والمضني لتحقيق الرفعة للوطن.