الراقص على رؤوس الأفاعي
عانت بعض شعوب الأمة العربية والإسلامية من مستبدين جبابرة أعمتهم شهوة السلطة وحب البقاء فيها حتى عاثوا في بلدانهم فسادا، وأهلكوا الحرث والنسل، وأوردوا شعوبهم المهالك، ودمروا أوطانهم، ولم يخرجوا من الحكم إلا بعد تمزيق بلدانهم وبث التناحر في داخل مجتمعاتهم. وقد تسبب زياد بري منذ عدة عقود في إيقاد العصبية الجاهلية في المجتمع والدولة الصومالية وتسبب في تمزقها. ولم يترك الحكم إلا بعد أن استفحل الخلاف ودب بين أوصال المجتمع حتى بات من المحال عودة الحال إلى ما كان. أما في العراق فقد تسبب حب العظمة عند صدام وطغيانه ودمويته في كوارث للمشرق العربي وللعراق مزقت البلاد وبثت الأحقاد بين أفراد الشعب العراقي. ولم يغادر السلطة إلا بعد أن دمر بلاده، وعرضها للاحتلال الأجنبي، وضيع موارد الأمة لسنوات طويلة. ولم يقصر معتوه ليبيا القذافي في طيشه، وبدد ثروات ومقدرات الشعب الليبي لأكثر من أربعة عقود في مغامرات طائشة لتحقيق أحلام العظمة والزعامة العالمية التي كان يحلم بها. وكانت ليبيا أغنى بلد في إفريقيا قبل توليه الحكم، وأضحت اليوم مفككة وغارقة في نزاع داخلي بين فئات المجتمع الليبي الصغير قد يستمر لفترة طويلة. وقد لحق بركاب طواغيت هذه الأمة، بل تفوق عليهم بمراحل بشار الأسد الذي لم يتوان عن التضحية بسورية ومن فيها كي يستمر في الحكم. بل ضحى بالمبادئ والأخلاق ووحدة البلاد واستقلالها وأدخل المحتل الإيراني من أجل استمراره وزمرته في حكم البلاد.
أما في اليمن فقد بدد علي عبدالله صالح أكثر من ثلاثة عقود – والرابع في الطريق - من تاريخ الشعب والدولة اليمنية العريقة ومقدراتها المحدودة في بناء مصالحه الشخصية. لقد حول موارد ومنافع وثروات اليمن لجيبه وجيوب حاشيته، كما حول جيش بلاده إلى ميليشيا شخصية تتبعه، وذلك لكيلا يسقط من رأس السلطة. وتصور صالح الذي شبه حكم اليمن بالرقص على رؤوس الأفاعي بأنه يستطيع بالمكر والخداع والمناورات السياسية – التي يتصف بها - أن يحكم اليمن إلى الأبد. وقد ذهب إلى إيران كي يعود بالحوثي الأب إلى اليمن ثم شن عليه حربا وقتله. وبعدها بفترة هادن ابن الحوثي وحاربه تارة أخرى ثم تحالف معه مرة أخرى. وتشير العديد من المصادر إلى أنه يتواصل أيضا مع بعض عناصر القاعدة ليستخدمهم في منظومة ألاعيبه لحكم اليمن أو العودة إلى حكمه. وقد تساهل كثيرا مع تهريب السلاح الإيراني إلى الحوثيين ولا أستبعد أنه يتساهل مع بعض عناصر القاعدة كي يتمكن من استخدامهم ضد من أطاحوا به في الحراك اليمني الأخير الموجه ضده وضد منظومة فساده. ويحاول صالح استخدام الحوثيين والقاعدة لخدمة مصالحه الشخصية وابتزاز دول المنطقة. من ناحية أخرى استغلت إيران منفعية صالح كي تدعم مطامعها الإمبراطورية وجنون النفوذ الذي يسعى إليه قادتها لدعم أعوانها الحوثيين وتقوية شوكتهم. وقد تسبب تعاضد مصالح صالح والحوثيين الذين يبيتون مع حليفتهم إيران أحقادا دفينة على المملكة في تعاظم نفوذ إيران في اليمن وزيادة مخاطر تهديداتها لأمن المملكة والمنظومة الخليجية والعربية.
إن تحرك المملكة والدول الحليفة الحازم أخيرا ضد صالح والحوثيين جاء للدفاع عن أمن هذه البلاد، وأمن اليمن الذي هو امتداد لأمن بلادنا الحيوي. كما جاء نصرة للشرعية والمظلومين والشعب اليمني عامة الذي عانى الأمرين من حكم صالح ومنظومته الفاسدة. ولم يقتصر شر صالح على ذلك، بل إنه يريد إشراك الحوثيين الحاقدين على معظم المسلمين ومدمري المساجد ودور تحفيظ القرآن وقتلة أئمة المساجد والأبرياء، في نهب اليمن وحكمه والسيطرة عليه وتحويله إلى تابع لإيران. إن عقلاء اليمن وقادة هذه البلاد ومؤسساتها يدركون كل هذا وليسوا من السذاجة بحيث تنطلي عليهم ألاعيب صالح وزمرته. والحمد لله أن شعب هذه البلاد وقادتها محبون للسلام والاستقرار وليسوا من عشاق الحروب، والعنتريات الزائفة، ونهب ثروات الآخرين أو الطمع في بلدانهم، ولكنهم إذا ابتلوا بمن يعتدي عليهم أو يهدد بلادهم فلن يتوانوا عن درء خطره وبذل الغالي والنفيس من أجل استقلال هذه البلاد وعزتها. وتهدد الفوضى التي عمت اليمن بسبب سياسات صالح ومناوراته أمن هذه البلاد والاستقرار والسلام في اليمن والمنطقة بأكملها. وما لم يوضع حد للراقص على رؤوس الأفاعي وألاعيبه ومكره فلن ينعم اليمن والمنطقة بالاستقرار والسلام.