مركز الدراسات البترولية ومتطلبات المرحلة
بلدنا أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم ويمتلك ربع احتياطيات النفط العالمية، رغم كل ذلك، عندما طلب مني الزملاء في معهد الدراسات الدبلوماسية العام الماضي التنسيق لعقد ورشة عمل حول الاستراتيجية النفطية السعودية في ظل الواقع الحالي للسوق النفطية، كانت أكبر مشكلة واجهتها في الإعداد لتلك الورشة الوصول إلى أشخاص متخصصين في الشؤون النفطية يمكن دعوتهم إلى المشاركة، وقد اتضح لي مدى الشح الذي نعانيه في الكفاءات الوطنية المتخصصة في الشؤون النفطية رغم كوننا الدولة النفطية الأولى في العالم، وبالتالي يفترض أن تزخر بلادنا بمئات إن لم يكن آلاف الخبراء والمختصين في شؤون النفط.
لذا فقد سرني سماع خبر موافقة مجلس الوزراء الموقر الأسبوع الماضي على إنشاء مركز للدراسات البترولية ليهتم بإجراء البحوث العلمية والتطبيقية التي تساعد على تطوير الصناعة البترولية ودراسة أوضاع الصناعة البترولية العالمية وسياسات الدول المستهلكة والمنتجة وتنمية الكوادر البشرية وتطويرها وتدريبها. فالتحولات التي تشهدها السوق النفطية حاليا تجعل من الضروري جدا امتلاكنا قدرة ذاتية على تطوير استراتيجيتنا النفطية ومتابعة التغيرات المتسارعة التي تشهدها الساحة النفطية، من خلال بناء وتطوير وتنمية كفاءات وفرق عمل سعودية متخصصة في الشؤون النفطية، تمكننا من وضع الاستراتيجيات المناسبة التي تجنبنا اتخاذ قرارات غير مدروسة نتائجها قد تنعكس سلبا علينا وتضر بمستقبل بلادنا على المدى الطويل. ففي ظل التسارع المخيف في تطورات أسواق النفط العالمية وتزايد القناعة بقرب نضوب النفط عالميا، حيث إن أحد التقديرات التي نشرت أخيرا من جهة علمية متخصصة وصلت إلى حد توقع نضوب النفط في العالم خلال 40 عاما فقط، وهي فترة قصيرة جدا في عمر الأمم تمر سريعا كما نعلم جميعا، فإننا في حاجة ماسة إلى أن نكون في سباق مع الزمن لوضع الاستراتيجيات المناسبة للتعامل مع هذا الواقع الجديد للسوق النفطية، وأن نزيد من قدرتنا على التعامل مع عالم ما بعد النفط وقلة الموارد في بلادنا الذي قد لا يكون بعيدا جدا، وبشكل عام يمكن تحديد أهم القضايا الملحة الشائكة التي هي في حاجة إلى بحث مستفيض ويؤمل أن يسهم قيام المركز في تناولها بفاعلية في التالي:
1 ـ تطوير وتنمية الكفاءات الوطنية المتخصصة في الشؤون النفطية، فاعتمادنا التام على مواردنا النفطية يتطلب امتلاكنا أفضل الكفاءات العالمية في مختلف جوانب الشؤون النفطية، من خلال وجود جهة ترعى تلك الخبرات وتنميها وتطورها.
2 ـ بحث سبل تقليل اعتمادنا على إيراداتنا النفطية من خلال تحقيق تنويع حقيقي في مصادر الدخل، فمعدلات النمو السكاني العالية في ظل شح الموارد الأخرى، تتطلب سرعة نجاح جهود تنويع قاعدتنا الإنتاجية بعيدا عن القطاع النفطي، ما يضمن قيام تنمية مستدامة قادرة على تلبية المتطلبات المعيشية لأجيالنا المقبلة في عصر ما بعد النفط.
3 - إعادة صياغة ومتابعة تطوير استراتيجيتنا النفطية بشكل دوري مستمر يواكب تطورات سوق النفط العالمية. فهناك الكثير من القضايا الشائكة التي نحن في حاجة إلى تطوير موقفنا منها وفقا لتطورات هذه السوق التي من أهمها: موقفنا من ارتفاع أسعار النفط الخام، ومن جهود تطوير مصادر الطاقة البديلة، ومن سياسات رفع كفاءة استخدام النفط، ومن الإجراءات البيئية الهادفة إلى معالجة مشكلة الاحتباس الحراري.
فإن كنا في السابق، على سبيل المثال، نخشى تطوير مصادر بديلة للطاقة، أو في أن يتسبب ارتفاع أسعار النفط في تراجع الطلب عليه وبالتالي تراجع أسعاره، فإن موقفنا من هذه القضايا لم يعد سهلا وواضحا كما كان سابقا، وقد تكون مواقفنا في حاجة إلى إجراء تغيير جذري فيها، إلى حد أن تصبح مصلحتنا الآن في تشجيع بحوث تطوير مصادر الطاقة البديلة، ورفع كفاءة استخدام النفط من خلال ضمان حدوث ارتفاع كبير في أسعاره. وسلامة موقفنا النهائي من هذه القضايا وغيرها مرهونة في الواقع بدقة وصواب تصوراتنا للحال الذي ستكون عليه السوق النفطية خلال العقود القليلة المقبلة، إن كانت معدلات الطلب ستواصل نموها وفق معدلاتها الحالية فإننا سنكون مضطرين إلى زيادة إنتاجنا وفق معدلات لن تتلاءم على الإطلاق مع مصلحتنا الوطنية ومصلحة أجيالنا المستقبلية لتسببه في استنزاف احتياطياتنا بسرعة، ما يجعلنا في حاجة إلى إحداث انقلاب كامل في استراتيجيتنا النفطية لتستهدف أهدافا معاكسة تماما للأهداف التي كنا، وحتى وقت قريب، نعتقد جازمين أنها تخدم مصلحتنا الوطنية.