مهمة إضافية

مهمة إضافية

[email protected]

سويسرا، التي تكاد تكون جزيرة منعزلة عن هموم هذا العالم رغم احتضانها المركز الأوروبي للأمم المتحدة، الذي يعكس كل ما يجري في العالم من قلاقل واضطرابات، قامت عن طريق وزارة خارجيتها بتكليف أحد بيوت الخبرة الاستشارية إعداد دراسة عن أمن البنية الأساسية لقطاع الطاقة.
الدراسة التي لا تعكس رأي الوزارة في نهاية الأمر، كما تقول، دعت إلى مقاربة يتكامل فيها دور القطاعين العام والخاص لأنها وجدت ببساطة أن الهيئات والمؤسسات القائمة لا تبدو مناسبة للقيام بمثل هذه المقاربة التي تتبنى منهجا شاملا لمعالجة قضية صارت تتمدد وتؤثر في الإمداد، الإنتاج، والصناعة عموما بمختلف مراحلها التي تغطيها الرحلة من فوهة البئر إلى يد المستهلك.
على أن اللافت للنظر أنها وجدت مؤسسة واحدة تبدو الوحيدة المؤهلة للقيام بهذا الدور، وهي منتدى الطاقة الذي تستضيف العاصمة السعودية الرياض سكرتاريته. ولا غرابة، ففكرة المنتدى منذ أن طرحها ولي العهد وقتها الأمير عبد الله بن عبد العزيز قامت على نهج شامل، إذ دعت إلى مشاركة المنتجين والمستهلكين والمؤسسات ذات الصلة والشركات، وهو ما يعد نقلة في اللقاءات بين المنتجين والمستهلكين.
ومن الخطوات التي نجمت عن هذا التوجه المسعى الهادف إلى التوصل إلى معلومات أكثر دقة عن أوضاع الإنتاج والاستهلاك، وهي مشكلة تكاد تصبح مزمنة، إذ لا تتوافر قاعدة معلومات عامة وبصورة شاملة ذات مصداقية يمكن الاعتماد عليها لاتخاذ قرارات تمس مختلف أطراف الصناعة النفطية. فالموجود يركز على حالات فردية ووصل الأمر إلى أنه بسبب القصور الذي يشوب المعلومات الخاصة بالطاقة، أن يدعو جوردون براون وزير الخزانة البريطاني في أحد اجتماعات وزراء مالية الدول السبع، إلى إيجاد وسيلة للحصول على معلومات أكثر دقة. فحتى الولايات المتحدة المشهورة بولعها بالأرقام وتسخير الإمكانيات الكبيرة للحصول على المعلومة تتضارب فيها الأرقام، حتى تلك التي تغطي فترة زمنية واحدة أو جانبا من جوانب الصناعة. ويكفي متابعة الأرقام التي تصدر أسبوعيا عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ومعهد البترول الأمريكي لملاحظة الفرق.
لكن إلى جانب الاختلاف في الأرقام فإن تصاعد العامل الجيوسياسي والأمني في الصناعة النفطية أصبح من الأهمية بمكان لتأثيره المباشر في سعر برميل النفط، وأهم من هذا بسبب اتساع المساحة الجغرافية المعرضة إلى توترات سياسية وأمنية تطال فيما تطال الإمدادات النفطية. فأي تحليل للحركة اليومية لسعر برميل النفط وتقلباته يجد بين يديه عوامل عديدة تغطي الكرة الأرضية، من حريق شب فجأة في حقل نفطي في الكونغو، إلى برامج الصيانة الدورية في حقول بحر الشمال، إلى القلق الذي لا يهدأ بسبب المواجهة الإيرانية مع الدول الغربية حول ملفها النووي، إلى التحركات الروسية الهادفة إلى استعادة سيطرتها على الصناعة النفطية واستخدامها وسيلة فاعلة في تحركاتها السياسية، وغيرها من تطورات تفاجئ حتى المختصين للدرجة إلى دفعت صحيفة "الفايننشيال تايمز" إلى دعوة الصناعة النفطية إلى الاستثمار في بناء قدرات فكرية في المجال الإفريقي بسبب الدور المتنامي للقارة في الإمدادات النفطية وضعف المعلومات والخبرات السياسية والاستراتيجية ذات الصلة بهذا المجال.
وإذا كان هذا الوضع يؤكد عالمية الصناعة النفطية، فإنه في المقابل يشير إلى حقيقة عدم وجود جهة واحدة لها القدرة على التعامل مع هذا الواقع من مختلف جوانبه، وهو ما يعود إلى أن تيار العولمة تجاوز حتى البعد الدولي الذي لازم الصناعة النفطية، وذلك لأسباب عديدة من بينها أنه ليست هناك جهة واحدة تشرف على الصناعة النفطية مثلما كان الحال عليه أيام هيئة سكك حديد تكساس أو الشقيقات السبع.
منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك)، التي خلفت الشقيقات السبع كجهة مسيطرة، حصرت نفسها في القضايا الداخلية لبلدانها، وبالتالي لم تمد أنظارها إلى ما يجري في بقية الساحة العالمية إلا في الإطار الثنائي وهو موقف يتفاوت بين بلد وآخر.
وهكذا برز دور منتدى الطاقة، كما أوضحت الدراسة المشار إليها، كجهة يمكنها البدء في معالجة قضايا الطاقة من جوانبها السياسية والأمنية، وهو ما يمكن أن يعزز من دورة ساحة حوار بين المنتجين والمستهلكين. فهذا الحوار الذي بدأ نظريا ومستبعدا بعض الجوانب الأساسية مثل سعر برميل النفط، تطور مع مرور الوقت ليدخل في الجوانب الحية التي تهم الصناعة من طرفي المعادلة المنتجين والمستهلكين، وها هي تكتسب لها بعدا جديدا بالدعوة إلى الاهتمام بالجوانب الأمنية والسياسية والجيوستراتيجية.
بقي طبعا أن يقبل المنتدى الدعوة، لكن إذا قبلها أم لا فإنها أكدت النظرة إليه كمؤسسة ينتظر منها الكثير في الوقت الذي تتزايد فيه التحديات أمام الصناعة النفطية وتحتاج إلى مواجهتها بصورة ما، والمنتدى يمثل أولى وسائل هذه المواجهة.

الأكثر قراءة