الطلب على النفط لا يزال قويا رغم تذبذب الأسعار
تشير أربعة تقارير صدرت هذا الشهر، إلى استمرار نمو الطلب على النفط رغم التباين في التقديرات. التقرير الأول للمركز الدولي لدراسات الطاقة في لندن يرى استمرار وضع السوق النفطية في حالة من التقلب وبعيدا عن التوازن خلال هذه الفترة وحتى فصل الصيف. وفي تقريره الشهري الأخير يقول المركز إن الصناعة النفطية عموما تعاني من حالة من الضعف فيما يخص طاقة التكسير في المصافي القادرة على تكرير النفوط الثقيلة ومقابلة احتياجات فصل الصيف، كما أن منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" استبعدت زيادة إمداداتها للسوق في الوقت الحالي، الأمر الذي أبقى سعر البرميل مرتفعا، وهو ما أسهم في الحد من قدرة المصافي على شراء النفط الخام ومن ثم حدوث حالة من الشح في الإمدادات يمكن أن تؤدي إلى انفجار سعري. لكن المنظمة ترى أن معدل 60 دولارا للبرميل يشكل مستوى معقولا ويمكن المحافظة عليه، وتبدو مصممة على ذلك بما يمنع من بناء المخزون الذي يسهم في العادة في الضغط على هيكل الأسعار.
ويرى التقرير أن السوق تحتاج إلى المزيد من الإمدادات النفطية بأكثر مما ترى أو تعترف "أوبك". وفي غياب هذا فإن احتمال حدوث انفجار سعري يبقى واردا وبالتالي حدوث اضطراب. فالتصاعد في الطلب يعود بصورة أساسية إلى الاحتياجات المتنامية لقطاع المواصلات الذي يحتاج إلى كميات إضافية من الوقود، إلى جانب استخدام النفط كوقود في الغلايات وتوليد الكهرباء.
وبسبب ارتفاع سعر النفط الخام، فإن المصافي لا تبدو قادرة على تمويل احتياجاتها ومن ثم تلبية طلبات الزبائن خصوصا مع ضعف طاقة التكسير في المصافي التي يمكن عبرها تحويل الزيت الثقيل إلى وقود مواصلات للترحيل مثلا.
ويرى التقرير أن هناك بعض التطورات التي تحتاج إلى مراقبة لتأثيرها على مسار الأوضاع في السوق. ومن هذه سوق البنزين والنافثا الأمريكية، كيفية استجابة منظمة "أوبك" للأسعار العالية خلال فصل الصيف، تواصل الهجوم في دلتا النيجر بعد تسلم الرئيس النيجيري الجديد مهام منصبه في نهاية هذا الشهر، تأثير برامج صيانة الحقول خارج "أوبك" على الوضع العام للإمدادات، ومدى استمرارية انتعاش الاقتصاد الأمريكي.
ويضيف التقرير أن "أوبك" بتقييدها للإنتاج نجحت في دفع الأسعار فوق 60 دولارا للبرميل، وهو ما جعل بعض المصافي ترى أن شراء الخام بمثل هذه الأسعار يجعل عملها في التكرير غير مجد اقتصاديا، وهو ما أدى إلى ظاهرة توفر الخام واستنكاف المصافي عن شرائه وبروز حالة من الشح في المنتجات المكررة تؤثر بدورها في سعر النفط الخام.
فزيادة الأسعار خلال السنوات الخمس الماضية كانت بصورة رئيسية نتيجة للطلب القوي على النفط، لكن الأسعار العالية أسهمت في تخفيض حجم ذلك النمو، لكن التقرير يقول إن "أوبك" ترى العكس، وتعتقد أن الأسعار العالية لم تؤد إلى تأثير يذكر على حجم الطلب، بدليل أن معدل النمو العالمي في الوضع الاقتصادي لا يزال فوق 4 في المائة. لكن تقرير المركز يلاحظ أنه تاريخيا فإن الانتعاش الاقتصادي يصحبه نمو قوي في الطلب في حدود 2 في المائة أو أكثر، وليس في معدل 1 في المائة المتداول حاليا بالنسبة لهذا العام.
لكن "أوبك" على قناعة أن الاقتصاد العالمي مرشح لاستمرار النمو بصورة قوية هذا العام، وهو ما وضعته في تقريرها لشهر أيار (مايو) أن يكون في حدود 4.8 في المائة، وهو ما يزيد على متوسط معدل النمو الذي كان سائدا خلال السنوات الخمس الماضية وأكثر بكثير من متوسط 20 عاما الماضية البالغ 3.5 في المائة. وفي الوقت الذي خفضت فيه "أوبك" من حجم توقعاتها للنمو في الطلب على النفط إلى 1.27 مليون برميل يوميا لهذا العام من 1.3 الشهر الماضي ليبلغ إجمالي احتياجات السوق 85.43 مليون برميل، فإن التقرير كذلك يرى أن المنتجين من خارج "أوبك" سيقومون بتوفير 50.67 مليون برميل بزيادة 1.19 مليون عما قدموه العام الماضي. وسيكون حجم الإمدادات خلال الربع الأول من العام 50.4 مليون برميل يوميا، ثم 50.3 مليون في الربع الثاني، 50.5 مليون في الربع الثالث ثم 51.5 مليون في الربع الأخير من العام، الأمر الذي يعني مراجعة إلى أسفل بلغت 86 ألف برميل يوميا، 94 ألفا، 44 ألفا، و74 ألف برميل يوميا على التوالي. وتقدر أن إنتاج الدول الأعضاء بلغ الشهر الماضي 30.14 مليون برميل بتراجع 97.100 برميل عما كان عليه في آذار (مارس) الماضي.
من جهتها، حافظت الوكالة الدولية للطاقة على تقديراتها على الطلب هذا العام في حدود مليون ونصف المليون برميل يوميا، وأضافت في تقريرها الشهري أن الإمدادات العالمية حققت زيادة الشهر الماضي في حدود 55 ألف برميل يوميا من "أوبك" وخارجها لتصل إلى 85.5 مليون برميل يوميا، لكن في الوقت ذاته فإن الإنتاج من بحر الشمال، روسيا، وأمريكا الشمالية شهد تراجعا.
ويضيف التقرير أن الزيادة في إنتاج غير "الأوبك" ستبلغ هذا العام مليون برميل وذلك مقابل 400 ألف العام الماضي، في الوقت الذي استقرت فيه الإمدادات من "أوبك" عند 30.3 مليون برميل. وستظل الأعين على الإمدادات النيجيرية التي تعرضت إلى اضطرابات واسعة أدت, وحسب الأرقام المتوافرة مطلع هذا الشهر, إلى وقف إنتاج نحو 815 ألف برميل يوميا، وهو ما يقارب من ثلث الإنتاج النيجيري اليومي. وبهذا يبلغ حجم الطاقة الإنتاجية الفعلية عند دول "أوبك" 2.8 في نيسان (أبريل)، ويتوقع للطاقة الإنتاجية المستدامة في دول المنظمة أن ترتفع من 34.1 مليون برميل يوميا إلى 34.8 مليون في الربع الأخير من هذا العام.
أما إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإنها خلصت في تقريرها الخاص بتوقعات السوق على المدى القصير، إلى أن الطلب سيشهد تقليصا في حدود 100 ألف برميل يوميا لحجم النمو في الطلب المتوقع ووضعته في حدود 1.4 مليون برميل يوميا ترتفع العام المقبل إلى 1.6 مليون، وأن الجزء الأساسي من هذا الطلب يأتي من الولايات المتحدة التي حققت زيادة في استهلاكها بلغت نصف مليون برميل إضافية عما كان عليه في الربع الأول من العام الماضي، إلى جانب 400 ألف برميل يوميا إضافية بالنسبة للصين في ذات الفترة.
وفيما يتعلق بزيادة الطاقة الإنتاجية، يرى التقرير أن السعودية تأتي في المقدمة، إذ ستضيف بنهاية هذا العام 250 ألف برميل يوميا، إلى جانب 150 ألفا متوقعة من نيجيريا، ولو أن الأنظار ستكون مشدودة إلى ما يجري في دلتا النيجر. لكن بصورة عامة يرى تقرير الإدارة أن طاقة "أوبك" الفائضة ستكون بنهاية هذا العام في حدود 2.5 مليون برميل يوميا ترتفع العام المقبل إلى 2.8 مليون، وذلك مقابل 1.3 مليون في العام الماضي.