رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الهزيمة في ذكرى الهزيمة

[email protected]

مرت أربعون سنة على هزيمة حزيران عام 1967 أو ما يعرف بحرب الأيام الستة التي اكتسحت فيها القوات الإسرائيلية الجيوش العربية في كل من مصر وسورية والأردن. في كل عام من السادس من حزيران نتذكر المأساة أو الهزيمة النكراء, لكن تناولنا للموضوع استمر على ما هو عليه من تلك السنة وحتى الآن, إذ لم تتغير طريقة عرضنا, أو تناولنا للموضوع, ولا نزال نسمي الأمور بغير أسمائها الحقيقية, فالهزيمة نصر على أنها نكسة لأننا لا نود أن نعترف بالحقيقة ونهرب من مواجهة الحقيقة والتعرف عليها وعلى تفاصيلها وأسبابها. بعد الهزيمة مباشرة ظهر المنظرون من خلال وسائل الإعلام المقروءة, والمسموعة, والمرئية محاولين تخفيف الأزمة والتقليل من آثارها في نفوس الناس, والتي كانت آثاراً كارثية لحجم الدمار المادي والنفسي الذي حل بالأمة بعدما كانت تمنى بالانتصار, وعودة الحقوق فإذا بالوعود تتبخر وتذروها الرياح, وإذا بالأمة تواجه هزيمة نكراء. ولم يدر في خلد المنظرين الذين أرادوا تخفيف مصاب الأمة, والدفاع من قبل البعض عن النظام العربي الرسمي الذي كان سائداً في ذلك الوقت, ولا يزال حتى الآن أن عملهم هذا فوائده محدودة, ولا يحل المشكلة أو المعضلة التي تواجه الأمة. إن استخدام مصطلح نكسة بدل هزيمة, والإصرار على استخدامه خلال أربعين سنة لم يزد الأمة إلا جهلاً بذاتها وبعداً عن معرفة الأسباب الحقيقية, وتسطيحاً للأمور, فإذا كان ما حدث في عام 1967 من قتل ودمار, لا يسمى هزيمة فمتى تكون الهزيمة؟ هل ننتظر أن تحتل العواصم العربية, لا سمح الله, حتى نعترف حينها بوقوع الهزيمة؟ إذا رجعنا إلى الأدبيات السائدة في ذلك الوقت, نجد أن الكتاب يكررون مقولة فشل العدو في القضاء على ذلك الزعيم أو سقوط نظامه, وفي هذا الطرح نقصان للأمة حيث اختزال الأمة بكامل مقوماتها المادية والبشرية والفكرية والعقائدية في شخص القائد أو في النظام, وكأن الأمة لا وجود لها ولا حضور فيما لو غاب القائد أو سقط نظامه. إن سطوة هذا التفكير وسيادته في تلك الحقبة أعمى الأمة وصرفها عن تلمس الحقيقة حول الأسباب التي أوصلت إلى ما وصلت إليه.
إن البحث عن أسباب سيادة الفكر الذي يعمد إلى تجاهل الحقائق, يقودنا إلى التساؤل عما إذا كانت الأسباب سياسية أم نفسية, ومن الصعب الفصل بين السياسي والنفسي, فالحالة النفسية تؤثر في السياسي, وتصرفاته, وقراراته, كما أن الأوضاع السياسية التي تسود البلد أو المنطقة ربما تنعكس آثارها على السياسي وتؤثر في حالته النفسية, ولذا فما حدث عقب الهزيمة تداخل فيه السياسي بالنفسي, فالهزيمة تمثل وضعاً سياسياً بائساً انعكس على السياسي في مشاعره ووجدانه ما جعله يبحث من خلال قنوات التأثير الجماهيري على ما يخفف من وطأة الهزيمة عليه وعلى شعبه, فالهزيمة هزيمة للفرد والنظام, وللفكر الذي تبناه, ولذا جاء التلاعب بالألفاظ واستبدال النكسة بالهزيمة. إن البحث عن مبررات غير واقعية للهزيمة كان الهاجس الذي اصطف وراءه جمهور الإعلاميين والمثقفين الذين تبنوا فكرة النكسة بدل الهزيمة, كما أن المحافظة على صورة النظام الرسمي هو الأساس في الأمر كله, أما الأمة ومصالحها, وثوابتها فلم تدر في خلد معظم هؤلاء. إن عدم الاعتراف بالهزيمة يمثل محاولة يائسة لاستمرار البريق الزائف, والعظمة المصطنعة, وهروب عن معرفة الحقيقة أو كشفها, رغم أن بعض المخلصين الذين كوتهم بل أحرقتهم الهزيمة حاولوا الكشف عن الأسباب الحقيقية وراء الهزيمة, وذلك من خلال دراسات اجتماعية, وسياسية متعمقة. إن جزءاً مما كشف عنه يمثل سبباً كافياً لحدوث الهزيمة, فالسهرات الحمراء واللهو المحرم أبعد من يفترض تخطيطهم وقيادتهم العمليات العسكرية, وأبعدهم عن مهمتهم, وأصبحت خارج أولوياتهم, وهذا ما نجح فيه العدو الذي يعرف أين يوجد القادة, وماذا يفعلون, ومتى يدخلون, ومتى يخرجون حتى أوقع الهزيمة وبلا معركة, ومن شر البلايا أن تبرر الهزيمة بمفاجأة العدو لنا من الغرب بدل الشرق, فنحن ننتظره من الشرق فإذا به يباغتنا من الغرب. أليس هذا التفكير ومن يطرحه أو يؤمن به يمثل هزيمة في حد ذاتها تضاف لهزيمة حزيران؟
إذا أردنا أن ننهض بأمتنا ونستفيد مما حدث سواء في عام 67م أم قبله, أو بعده فلا بد من تسمية الأسماء بأسمائها الحقيقية, والتجرد عن الذات, والطرح الموضوعي, وهذا يقتضي أن نطرح مجموعة تساؤلات ونبحث عن إجابات صادقة لها, وأول هذه التساؤلات, هل القيادات السياسية والعسكرية مؤهلة لمنع وقوع الهزيمة قبل أن نقول تحقيق الانتصار؟ وهل الفكر والثقافة السائدان في ذلك الوقت يخدمان الأمة ويسهمان في تحقيق النصر, أم في إحداث الهزيمة والتسبب فيها؟ وهل منهج التفكير الموضوعي والعلمي هو السائد أم العاطفة والمشاعر الملتهبة هي السائدة؟ ويضاف إلى ما سبق من تساؤلات التساؤل حول الأمة بكاملها ودورها في البناء في تلك الفترة هل كانت محل اهتمام ومشاركة أم أنها مهمشة وتتحرك حسب حركة الآلة الكبيرة التي تحركها دون إرادتها ودون وعي منها؟
إن نجاحنا في الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها الكثير, قد يسهم في تشخيص هزيمة 67 وما تلاها من هزائم, أما الاستمرار في تكرار الأسطوانة كل عام, فإنه لن يزيد الطين إلا بلة.
لا شك أن خلق طبقة مخملية ومرفهة صرف القيادات عن مهماتها الأساسية, وجعل من اللهث وراء المتع والملذات هدفاً يفوق في أهميته هدف تحقيق النصر, ولذا فالحاجة ملحة إلى إعادة النظر في تأهيلنا القيادات الحاضرة والمستقبلية, ومناهج التفكير التي نأخذ بها, فشباب الحاضر هم قادة المستقبل, وهم من سيحقق النصر, أو تحل بهم الهزيمة, لا سمح الله, فهل إعدادنا شبابنا نفسياً وفكرياً وثقافياً ومهارياً يكفي لتحقيق الهدف الأسمى أم أن حياة الرفاه والتسوق والملذات هي السائدة؟ إن منهج التهويل والبهرجة ليس منهجاً مناسباً, وضرره أكبر من نفعه, إذ لا يمكن للفرد الذي اعتاد هذا المنهج أن يفكر بصورة عميقة وموضوعية , فلغة المشاعر مهمة, لكن التفكير السديد هو الأهم. كما أن تهميش الأمة في ذلك الوقت, والآن أسهم ويسهم في الوقت الراهن في حالة الهزيمة, والتراجع عن الأهداف العليا إلى الأهداف الدنيا. إن النصر والتفوق لا يتحققان باستبعاد الأمة ممثلة في مفكريها, ومثقفيها فهم كالنور الذي يضيء الطريق وبهم تحيا القلوب, وتؤسس الأنفس التي تتطلع إلى المعالي, ومنها النصر واستعادة الأمجاد, مع أن هذه اللغة ليست هي اللغة السائدة في الوقت الراهن. كما أن النصر لا يتحقق بإنكار الحقائق, وتسمية الأمور بغير أسمائها. الهزيمة هزيمة, والنصر نصر ولكل منهما تعريف واضح ومحدد, ولكل منهما أسباب ومتطلبات, ولكل منهما نتائج ملموسة على أرض الواقع وفي الناس, فهل يأتي اليوم الذي نضع فيه الأصبع على الجرح, ونفكر بطريقة موضوعية نتعرف على الأشياء بصورتها الحقيقية وليست المزيفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي