مزوّدو الاستثمارات المالية الإسلامية في الأسواق الغربية .. سفراء لمفهوم جديد

مزوّدو الاستثمارات المالية الإسلامية في الأسواق الغربية .. سفراء لمفهوم جديد

يمثل بروز بريطانيا كأول بلد غربي يفكر في إصدار سندات إسلامية متوافقة مع الشريعة الإسلامية خطوة إلى الأمام لجعل لندن المركز العالمي للمعاملات المالية الإسلامية في مقدمة الأسواق المتقدمة الأخرى.
كذلك فإن هذه الخطوة تتيح الفرصة للمستثمرين الموسرين من المناطق الإسلامية في الغالب التوجه صوب الغرب بحثا عن الفرص الجديدة بما فيها الطويلة الأجل.
ومازال من المبكر للغاية القول إذا ما كان هذا التطور وحده يمكن أن يبدأ في عكس فرار رأس المال الإسلامي من العالم الغربي وبشكل لافت للنظر من الولايات المتحدة عقب الهجمات الإرهابية في نيويورك. وتسارعت عملية الفرار إلى حد كبير بسبب المخاوف من حملة مناهضة للمسلمين أعقبت هذه الهجمات والغضب الشعبي اللاحق الذي اشتعل بالحرب على العراق وأفغانستان.
ولكن إمكانية عودة المسلمين المدججين باستثمارات ضخمة إلى الغرب مسألة مهمة للغاية حتى تصبح بعض الشخصيات الأكثر نفوذا في أسواق المال العالمية لديهم الرغبة اللازمة.
وسلح الارتفاع في أسعار النفط العالمية خلال الأعوام القليلة الماضية المستثمرين الموسرين من الشرق الأوسط الإسلامي الغني بالنفط بكميات هائلة من الأموال ما دعم الطفرة الاقتصادية التي تشهدها بعض أجزاء الشرق الأوسط التي فيها مؤشرات الثراء المنظورة تشمل ازدهارا في تطوير العقارات.
ومن الصعوبة بمكان القول إذا ما كان المستثمرون المسلمون الذين يعارضون عودة واسعة النطاق إلى العالم الغربي, على استعداد لتغيير آرائهم تلك. ويواصل العديدون جني أرباح كافية في أوطانهم إلى درجة تمنعهم من المخاطرة في الخارج في وقت قريب. وبصرف النظر عما إذا كانت الحوافز قوية أم لا بالنسبة إلى المستثمرين الإسلاميين, فهناك أسباب تجعل من قصر النظر أن يبقوا بعيدين عن العالم الغربي.
إن السوق العالمية للسندات الإسلامية التي تعرف بـ "الصكوك" التي تقيم بنحو أربعة مليارات دولار والآن موضوع إصدار السند الإسلامي في بريطانيا, ما زال يمثل نسبة متواضعة من مبلغ 250 مليار دولار الذي تشير التقديرات إلى أنه استثمر على نطاق العالم في الأصول المالية الإسلامية.
هناك فرص واعدة للنمو المستقبلي للسندات الإسلامية. ولو كان للمستثمرين المسلمين أن يعتلوا الموجة في سبيل السعي إلى الحصول على جزء من السندات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية المنتظرة من بريطانيا, فإن بوسعهم وضع أنفسهم في مركز لاستغلال الفرص بثلاثة طرق على الأقل.
الأول هي أن بإمكان المستثمرين المسلمين استغلال وجودهم المؤسس حديثا في بلد مثل بريطانيا لترويج مفهوم المعاملات المالية الإسلامية لجمهور ذي طابع عالمي أكثر. وعلى الرغم من نموه العظيم, فإن هذا المفهوم يظل عرضة لسوء الفهم في عدة دوائر والواقع أن تطوير العلاقات مع المؤسسات الأكاديمية والهيئات المهنية التقليدية من أجل ترويج الصكوك والمفاهيم المالية الإسلامية الأخرى, سوف يساعد على مخاطبة غياب الفهم السائد حاليا.
وعلى المدى الطويل, بإمكان مزودي الاستثمارات المالية الإسلامية في الأسواق الغربية أيضا أن يبرزوا لكي يصبحوا سفراء لهذا المفهوم الجديد نسبيا على المسرح العالمي, على الرغم من جذوره القديمة في العالم الإسلامي.
والثانية هي أن مثل هذه الفرصة يمكن أن تساعد المستثمرين المسلمين على تأسيس روابط أوثق مع القنوات التنظيمية والرقابية في العالم الغربي. إن إحدى النتائج التي ترتبت على الهجمات الإرهابية في نيويورك هي التوتر بين المؤسسات المالية الإسلامية وهيئات الرقابة الغربية.
إذ من المعتقد أن بعض هذه الهيئات الرقابية مارس الضغوط على حكومات الدول الإسلامية لإجراء تدقيقات صارمة للمعاملات المصرفية الداخلية للبنوك الإسلامية. وفي ذلك الوقت كانت هناك شكوك واسعة حول المؤسسات الإسلامية باتهامها بتسهيل تدفق الأموال إلى ومن المليشيات الإسلامية.
وأخيرا، فإن عودة المستثمرين المسلمين والمؤسسات المالية الإسلامية إلى الدول الغربية يمكن أيضا أن توفر للفقهاء المسلمين فرصة التعاطي مع أفضل الممارسات المتاحة في مجال الأعمال في أرجاء العالم, وهو عامل يمكن أن يعزز عملية تحديث المؤسسات المالية الإسلامية. ولم يتح للعديد من الفقهاء المسلمين الفرصة بتاتا للتعامل المباشر مع ممارسات الأسواق المالية العالمية, وهي فجوة تفقدهم ميزة مهمة للغاية.
إن مثل هذا الاحتكاك الذي سيتاح للفقهاء المسلمين ربما يساعد أيضا شريحة المصرفيين الإسلاميين.
وآخذين في الاعتبار السلطة المطلقة لفقهاء الشريعة الإسلامية كمقريين نهائيين بشأن الخيارات الرئيسية، فإن مركز المصرفيين يبقى دائما ثانويا بالنسبة إلى الأشخاص المسلحين بالتفوق في مجالات العلوم الدينية.
كذلك فإن الاختبار الذي ستتعرض له السندات الإسلامية في بريطانيا يجب أيضا أن يستخدم لتلبية احتياجات عدد متنام من المسلمين الذين يفضلون الاستثمار في الأسواق المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بدلا عن التقليدية.
إن تتذيل (حاشية) لهذا النقاش يجب أن يشمل أيضا المشكلات السياسية التي تحيط بالعلاقات المتوترة غالبا في السنوات الأخيرة بين الأقلية الإسلامية في بريطانيا وسكانها الرئيسيين. كذلك فإن الهجمات الإرهابية والمؤامرات الإرهابية التي تم الكشف عنها في بريطانيا أثارت المزيد من المخاوف حول دور المسلمين كمثيرين للمتاعب.
وفي المقابل فإن تطوير سوق مال إسلامي في المملكة المتحدة لا يساعد على تعزيز تنوع المسلمين مثل أي جالية أخرى فحسب, بل سيساعد أيضا على تقديم المستثمرين المسلمين كشركاء مفيدين في شراكات قطاع الأعمال.

الأكثر قراءة