«أعطني هذا العلم، وأرفع البلاد»
(*) أتقدم لأرخميدس بالسماح لي باستلهام العنوان من مقولته الشهيرة. "ستأتي فيما بعد"
برأيي، الرياضيات هي المنطق بحالته الخام.
وأينشتاين يقول: "الرياضيات البحتة، بطريقةٍ ما، قصائد من الأفكار المنطقية".
في القرن السابع عشر، أنجبت أمّة الإنجليز رياضيا خرافي العبقرية، غطت سحبُ أسماء أقل منه سماءَه، هو "إسحق بارو"، وله تاريخ رياضي، هو من قال: "الرياضيات بلا منازع أصل وقاعدة كل العلوم، والشلال الوافر الذي لا ينضب لمنفعة الإنسانية بكل أمورها".
الرياضيات، فخر العقل البشري، وضوءه الكاشف الذي قاد الإنسان عبر متاهات وكهوف الجهل المظلمة. وأفاء بنوره على مسيرة البشر.. منذ البدء. فلم تكن الرياضيات إلا رفيقة الإنسان وهو يبني طوبة حضارته الأولى إلى يومنا.
عالم بلا رياضيات عالم منغلق، جاف، ضيق. ينمو، ولكن ينمو سالبا.. فتزيد الظلمةُ إعتاما.
الخوارزمي أضاء الله عقلـه بالرياضيات، والآن اسمه لا يخلو من أي قاموس لغوي أو علمي بكل اللغات، بل بكل كتاب رياضيات من نيوزيلاندا إلى آيسلاندا. فالخوارزميات بذاكرة كل من درس كتابا واحداً بالرياضيات.
علم الرياضيات كشاف العقل البشري بمتاهاته وحيرته حتى يعثر على الجواب فيفتح آفاقاً بعد آفاق. انظروا كيف أن كوبرنكس تخيل رياضيا مركزية الشمس وجاليليو رصد بعقله ما لم تتمكن منه الأرصدة والأجهزة الفلكية بكل أنواعها بعصره.. وبعد عصره بوقت طويل. ويتباهى الرياضيون من فرط ثقتهم بعقولهم الرياضية فأرخميدس أفخم عقل رياضي لقرون قال: "أعطني رافعة بطول كاف ومركزاً ثابتاً أضع الرافعة عليه، وسأرفع العالم". طار عقله بغرور العلم. وكان "ديكارت" الفيلسوف الفرنسي يبحث عن صيغة معادلة كبرى لكل الكون، وهذا مثل حلم الكيميائيين في تحويل المعدن البخيس إلى ذهب نفيس.
ولماذا نذهب بعيدا؟ من أساطير العلم الواقعية العالم الرياضي الفرنسي "أوربان لوفربي" الذي اكتشف كوكبا لم ولا تستطيع أن تراه عين بشرية بزمانه في القرن التاسع عشر، اكتشفه رياضياً من حركة كوكب أورانوس، ولأن الرياضيات علم القياس والكم تمكن من تحديد كوكب لم يعرف علماء الفلك بوجوده، بل حدد موقعه وكتلته.. بعقله المجرد!
الرياضيات هي البرهان لأقوى جهاز بالكون.. العقل.
هناك قصتان أهديهما لعزيزنا وزير التعليم، واحدة بسنغافورة وأخرى بوادي السيليكون. سنغافورة بدأت تدريس المنهج الرياضي البريطاني بعد الاستقلال، ثم حدثت ثورة عقلية بوزارتهم للتعليم وقدموا منهاجاً رياضياً جديداً خاصا بهم نهض بعقلية الطلاب والصنعة التعليمية، بل وتقدم البلاد بأسرها. الآن يقتبس هذا المنهج دولٌ متطورة مثل كندا وأمريكا حتى الكيان الصهيوني "ويملكون منهاجاً كثيفاً بالرياضيات". وحتى بريطانيا التي كانت سنغافورة عالةً على منهجها صارت هي تنهل منها.. «معليش»، لا حياء بالعلم!
وادي السيليكون تعتمد شركاته على خريجي علوم الرياضيات المتفوقين لتصميم برامج واختراع أنماط جديدة. وها هو رئيس شركة "إنتل" العالمية يتقدم ميلاً آخر على الجميع ويصرف ميزانية بمئات الملايين من الدولارات للصرف على تنمية طلبة مدراس المتوسطة والثانوية، خصوصا بين السود والنساء والأقليات ليدعم شركته بجيل عبقري للمستقبل، ومن ناحية مبدئية إنسانية إزالة التفرقة بين الناس.. لأن العقلَ واحد، منتهى العدل الرباني.
وأرجو منه التفضل بقبول الهدية.