الأثر البيئي على الصحة
يتواصل تراكم الأدلة على أن التعرض للعوامل البيئية قبل الحمل يسهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالتوحد. وقد قدم الباحثون أخيرا نتائج ثلاث دراسات في مؤتمر الجمعية الدولية لأبحاث التوحد في إسبانيا، حيث ربطت هذه النتائج بين زيادة خطر الإصابة بالتوحد وبين تعرض الأمهات الحوامل لملوثات الهواء والمبيدات الحشرية المستخدمة في المنازل. ووجد أن تناول مكملات الحديد قبل وأثناء شهور الحمل الأولى يحد من خطر الإصابة بالتوحد. هذا وقد قفزت معدلات الإصابة بالتوحد إلى واحد من بين كل 50 طفلا، وفقا لأحدث النتائج الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، ولا تزال احتمالات إصابة الأولاد بهذا المرض أربعة أضعاف احتمالات إصابة الفتيات به. ولقد قامت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بتعريف اضطراب طيف التوحد - أو (ASD) -بأنه "إعاقات خفيفة إلى حادة في التفاعل والتواصل الاجتماعي، مصحوبة بأنماط من السلوكيات والاهتمامات والأنشطة المتكررة والنمطية".
وعلى الرغم من أن الزيادات في التشخيص والتشخيص الأفضل للإصابات الطفيفة بمرض التوحد قد أسهما إلى حد ما في ارتفاع معدلات الإصابة، إلا أن هناك ارتفاعا حقيقيا في حالات التوحد على مدى العقدين الماضيين، التي لا يمكن أن تعزى إلى الجينات وحدها. وفي الواقع غيرت دراسة أجراها باحثون في جامعة ستانفورد عام 2011 فكرة أن الجينات وليس العوامل البيئية هي المسؤولة عن معظم حالات التوحد، حيث درس الباحثون 192 زوجا من التوائم - 54 توأما متماثلا و138 توأما متآخيا - يحتوي كل زوج منها على طفل واحد على الأقل مصاب بمرض التوحد. ووجد الباحثون أن الجينات مسؤولة عن 38 في المائة من خطر الإصابة بالتوحد في حين أن العوامل البيئية مسؤولة عن 62 في المائة. وصرح مدير الأبحاث الدكتور يواكيم هولماير قائلا: "تشير أبحاثنا إلى أن دور العوامل البيئية قد تعرض لسوء تقدير" بينما نشرت نتائج الدراسة في دورية أرشيف الطب النفسي العام.
وفي إحدى الدراسات الحديثة ركز الباحثون من كلية هارفارد للصحة العامة على ملوثات الهواء المتعلقة بوسائل النقل والمواصلات بما في ذلك الأوزون على مستوى الأرض، وثاني أكسيد النيتروجين، والجسيمات لاستكشاف تأثيراتها على نتائج التوحد لدى أطفال ولدن لأمهات من لوس أنجلوس بين عامي 1995 و2006. واستطاع الباحثون تحديد أكثر من 7000 طفل يعانون مرض التوحد ويتوافقون مع معايير الدراسة. ووجد الباحثون أن تعرض الأم لمستويات عالية من ملوثات هواء معينة - مثل جسيمات وقود الديزل - يزيد من خطر إنجاب طفل مصاب بالتوحد بنسبة 30 في المائة إلى 50 في المائة. ورصدت أقوى التأثيرات عند التعرض للأوزون والجسيمات الدقيقة.
وأشار الدكتور بيات ريتز من جامعة كاليفورنيا - وهو المسؤول الأول عن الدراسة - إلى أن هذه الملوثات موجودة في كل مكان - وخاصة في المدن المزدحمة - ولا يسعنا سوى أن ننصح الأمهات الحوامل بتجنب الجلوس في مجال المرور قدر الإمكان. وليست هذه هي الدراسة الأولى التي تربط بين خطر الإصابة بالتوحد وبين التعرض لملوثات الهواء. بينما صرح الدكتور ويسكوبف - أستاذ الصحة البيئية وعلم الأوبئة - قائلا: "في هذه المرحلة يمكن القول إن هناك شيئا يمكن عزوه إلى تلوث الهواء".
وقالت العالمة إيرفا هيرتز- بيكويتو المتخصصة في علم الأوبئة البيئية في جامعة كاليفورنيا في ديفيس، التي أجرت الدراسة حول المبيدات الحشرية: "إن الشيء المثير في دراسة البيئة، أو البيئة والجينات مع بعضهما بعضا، هو توفير إمكانية التدخل".
وهيرتز- بيكويتو هي واحدة من بين عديد من الباحثين المشاركين في الدراسة حول (مخاطر إصابة الأطفال بالتوحد بين الوراثة والبيئة) التي أجريت في جامعة كاليفورنيا في ديفيس، التي تتناول طريقة إسهام الجينات والعوامل البيئية في ارتفاع معدلات الإصابة بالتوحد، بما في ذلك نقص فيتامينات ومكملات مرحلة ما قبل الولادة.
ويمكن لأعمال استكشاف واستخراج واستخدام الوقود الأحفوري أن تلحق ضررا لا يصدق بالأرض، تاركة آثارا لا تمحى على مدى أجيال. وأعمال استخراج الفحم التي تقع في المقام الأول في المناطق الريفية، تخلف حفرا، ومحاجر، ومخلفات، وتحرم المناطق الطبيعية – التي يصيبها تغيير كبير - من معظم التنوع البيولوجي الذي سبق وازدهر يوما هناك.
والهواء النقي ضروري لضمان حياة وصحة جيدة. ومحطات توليد الطاقة الكهربائية هي أكبر مصدر صناعي في أي بلد للملوثات التي تسبب الأمطار الحمضية، والتسمم بالزئبق في البحيرات والأنهار، والاحتباس الحراري العالمي. ويمكن لملوثات الهواء أن تسبب مشكلات صحية خطيرة، بما في ذلك الربو والتهاب الشعب الهوائية، والالتهاب الرئوي، وانخفاض المقاومة لالتهابات الجهاز التنفسي، والموت المبكر.
وفي الواقع ووفقا لبعض الدراسات تزيد أعداد من يموتون بسبب المشكلات الصحية الناجمة عن تلوث الهواء عن عدد من يموتون بسبب جرائم القتل. وقد أدرجت دراسات أجرتها كلية هارفارد للصحة العامة وجمعية السرطان الأمريكية استخراج الطاقة من الفحم كسبب للوفاة المبكرة. وعن طريق زيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة، يمكننا أن نساعد على الحد من تلوث الهواء والمخاطر الصحية المرتبطة به.