«جدة للضيافة التراثية» .. من الاندثار إلى الاستثمار
في الأسبوع الماضي أعلن الشيخ صالح كامل رئيس مجلس إدارة غرفة جدة التجارية الصناعية عن تأسيس شركة جدة التاريخية للضيافة التراثية برأسمال 200 مليون ريال.
ورغم أن الإعلان عن تأسيس الشركة خطوة مهمة على طريق المحافظة على جدة التاريخية ضمن التراث العالمي، إلا أن هناك كثيرا من الملاحظات على الشركة الوليدة، فمثلا إن توزيع رأسمال الشركة ــــ كما هو واضح من الأخبار التي نشرتها الصحف ــــ تم توزيعه بين صالح كامل رئيس الغرفة 25 مليون ريال، وصالح كامل رجل الأعمال 25 مليون ريال، ثم خصص مبلغ 50 مليون ريال لمجموعة من رجال الأعمال لم ترد أسماؤهم، بينما توقف الكلام عن نصف رأس المال الباقي، بل توقف الكلام عن دور أهالي جدة من الملاك وسواهم في ملكية الشركة!
ونزعم أن الحرص على مشاركة أهالي جدة التاريخية في ملكية الشركة بنصيب وافر يحقق الهدف الأساسي من تأسيس شركة جدة للضيافة التراثية.
ولذلك نستطيع القول إن توزيع رأس المال بالطريقة المعلن عنها لا يبعث على الارتياح والثقة بشركة وليدة يرتجى منها إعادة هندسة تراث المدينة، بمعنى أن تدبير رأس المال ما زال غير واضح وغير مكتمل الأركان والمعالم.
طبعا يعرف الجميع أن إعلان تأسيس الشركات.. يمر ـــ وفقا لنظام الشركات ــــ بمراحل نظامية مقننة لا نجدها ألبتة في فجائية إعلان هذه الشركة، وما زلنا ننتظر أن يصدر مكتب صالح كامل بيانا يوضح الأهداف والمهام التي ستقوم بها الشركة، بل لا بد من نشر منشور إعلاني يعلن عن تأسيس الشركة بصورة رسمية.
إننا نخشى من المصير الذي ستؤول إليه الشركة وهي في المهد رغم أن جدة التاريخية بصبغتها العالمية في أمس الحاجة إلى قيام شركة مساهمة قوية تستطيع أن تضطلع بالمهام الموكلة إليها وهي إقامة الفنادق وترميم البيوت وإعادتها إلى رونقها الجداوي التاريخي التراثي القديم.
إن تأسيس شركات الضيافة فكرة متقدمة ومعمول بها في دول العالم المتقدم، ونهضت هذه الشركات بتراث الدول التي نشأت بها، وأصبح التراث في تلك الدول عنصر جذب سياحي كبير.
والواقع أن الهدف من وراء تأسيس هذه الشركة ليس تحقيق الأرباح، إنما أداء خدمة ذات بعد حضاري راق عن مدينة بدأت تلبس ثياب الوسامة العالمية والدولية.
ولعلنا نذكر أنه في عام 2014 قد قبلت منظمة اليونسكو وضع جدة التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي، ولذلك أصبحت جدة التاريخية ومدائن صالح والدرعية ثلاث مناطق سعودية ضمن قائمة التراث العالمي، وطالما أن جدة التاريخية في قائمة التراث العالمي، فإنها اكتسبت صفة المدينة العالمية ذات البعد الحضاري العالمي، ومثل هذه الألقاب العالمية لها استحقاقات، وعلى إدارة المدينة أن تهتم بهذه الاستحقاقات حتى لا تكون النتائج مخيبة للآمال.
هذا من ناحية، ومن أخرى إذا كان صالح كامل قد ألمح إلى أن الهيئة العامة للسياحة والآثار كان لها دور كبير في تأسيس هذه الشركة، فإن أدوار محافظ جدة وأمين أمانة جدة لا تقل بأي حال من الأحوال عن جهود هيئة الآثار، بل أؤكد أن تعاون كل الجهات كان وراء تأسيس هذه الشركة التي نأمل أن تقوم بالمهام الملقاة على عاتقها على أكمل وجه بعيدا عن زحمة الأنا.
إن بناء الفنادق ذات الطابع الجداوي المعماري القديم وإعادة ترميم البيوت القديمة على الطرز الجداوية التاريخية يتعرض لمعضلة غياب الكوادر المتخصصة، وبالذات فيما يتعلق بندرة الكوادر الماهرة في فن البناء وفن الدهان والنجارة والسباكة والكهرباء، بمعنى أن أمانة جدة مطلوب منها إنشاء معهد تدريبي لتخريج كوادر بناء البيوت الجداوية التاريخية، وكذلك تأهيل وتخريج النجارين الماهرين في تصميم الرواشين والمظلات المطلة على المنعطفات والأزقة، لأن السوق السعودية لم تعد تتوافر فيها مثل هذه الكوادر النادرة جدا الآن، ونؤكد أن شركة جدة للضيافة التراثية لا تستطيع أن تباشر عملها إلاّ إذا وفرنا لها الكوادر الماهرة والمتخصصة.
وبالنسبة لسكان جدة فإنهم يأملون أن تحل هذه الشركة ـــ إذا قامت على أسس نظامية متينة ـــ إشكاليات كان الوصول إلى حلها من الصعوبة بمكان، فهناك بيوت فقدت ملاكها وآلت إلى بيت المال، كذلك هناك بيوت يملكها أناس يعيشون على الكفاف وليس لديهم المال والقدرة على الترميم والتجديد، كما أن هناك أجيالا من الملاك ذهبت بهم ظروف الحياة بعيدا عن أملاكهم وأملاك الآباء والأجداد، أمّا الملاك الذين ما زالوا يقفون على أملاكهم فهم قلة، ومن هنا تتبدى أهمية قيام شركة متخصصة تتولى القيام بما يجب أن تقوم به من أجل المحافظة على تراث غال ونفيس لهذه المدينة الباسلة والناعمة.
إن أهم عنصر من عناصر المحافظة على جدة التاريخية.. هو قيام شركة تُعْنى بالتراث على أسس متينة تضمن كثيرا من الأداء الجيد والنجاح المأمول، ولذلك فإن المطلوب من جميع الجهات الاهتمام بتأسيس شركة جدة للضيافة التراثية، كي تقوم على أسس نظامية وعلمية رصينة.