رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أحب أن أسميها باقة الأوامر الملكية.. وليست حزمة الأوامر الملكية

كان السعوديون قبل البارحة على رؤوس أعصابهم متحمسين لسماع قرارات الملك سلمان بن عبدالعزيز. ويمكنني الادعاء أن المشاهدة تلك الليلة هي الأكبر في تاريخ المشاهدات التلفزيونية في بلد واحد في وقت واحد بتناسب عدد السكان. وأكاد أجزم أن أهالينا في دول الخليج لا يختلفون عن وضع السعوديين، وحملوا الحماسة والترقب ذاتهما. وأسحب تأكيدا أن العالم العربي شارك في الترقب الكبير، بل والعالم، لما تحمله هذه البلاد من أهميات كبرى للعالم في أكثر من حقل وميدان.
ثم إن هناك شيئا آخر وهو باقة قرارات بعدد كبير. 34 أمرا ملكيا في باقة واحدة. 34 أمرا ملكيا دفعة واحدة في أول استهلال عهد الملك سلمان، هزّ عقل كل مهتم. فليس عدد القرارات هينا لدولة كبيرة من عاهل كبير.
وهنا ما أراه شخصيا تضمينا لبعض أوامر الملك سلمان:
الدولة وأجهزتها من وزارات ومصالح ومجالس وهيئات تدار بالبيروقراطية الإدارية. والإدارة البيروقراطية ظلمت في المفهوم المتداول العام. فهي في أصل التسمية فرنسية مأخوذة من كلمة بييرو، وتجدها أيضا بالإنجليزية واضحة، وباقي اللغات الأوروبية إنما بتشكيل إملائي وبتقارب اللفظ، وتعني إدارة عدد كبير من الموظفين. ما نسميه بالعربية الكلاسيكية الديوان، وانتقلت الصيغة الديوانية في الإدارة العربية الحالية لمقاربة كلمة بييرو الفرنسية، فصارت عندنا دواوين إدارية، من ترجمة اصطلحها اللبنانيون بالذات الآباء اليسوعيون الذين عملوا على تجهيز اللغة العربية للعصر الجديد. إذن البيروقراطية ليست عيبا، ولكن إن أصابها ترهل وبدأ جلدها يفقد مرونته الحيوية هنا تُعاب ليس لأصل اسمها، ولكن لأنه أصابها فيروس الروتين فدخل في الأضلاع ومخ العظام. وهنا بدت أرادة الملك سلمان بأن ينفض السجادة كاملة في الشمس، وليس ذلك عيبا في السجادة ولكن جاء الوقت ومطالب الظروف أن تُنفض وتُعقم ثم يعاد عليها التصفيف من جديد، وإزالة بعض الشوائب التي تداخلت مع الخيوط فلا ينفع فيها تنظيف عادي.
الجسد الإداري العام، مثل الجسد البشري يجب أن تكون الكتل الكبرى عضلات وليست شحوما إضافية فتترسب شحومها على جدران الممرات الدموية، وتثقل المشغِّل الكبير القلب، وتضعف قوة هذه العضلة التي لا تعرف الوقوف. ولأن هذا القلب يجب أن يكون صحيحا فلا بد للجسد أن يتخلص من شحومه. فالجسد لما تتراكم عليه الشحوم تصعب حركته ويميل للكسل لعدم وصول الدم بكفاءة فتغيب لياقته وتختفي رشاقته. لذا كانت رؤية الملك الأولى التخفف من الشحوم والتركيز على العضلات التي هي الوزارات والمصالح المباشرة، والشحومُ مجالس عِدة ربضت فوق تلك العضلات فأرهقتها. ولاحظوا شيئا ذكيا للغاية، رُبِط مجلسُ الوزراء وهو جسد الهيكل الإداري بمجلسين من طرفين يحملان الملفات المهمة الكبرى، فإذا هما جناحان يقلعان بالجسد، بعد أن كانت المجالس المختلفة ثقلا يمنع محاولات الإقلاع.
وإني أجتهد أكثر بأنها أيضا دعوة مضمنة عبقرية لنا كشعب حتى نعتني بصحتنا ونخفف من أوزاننا ونعيد لياقتنا ورشاقتنا فأمة رشيقة بلياقة عالية تتطلب أيضا شعبا بالمواصفات ذاتها.
ثم أخيرا.. وليس آخرا.
من يُخرِج 34 قرارا كبيرا ليعيد اتجاه أمة كاملة بوقت قياسي هو شخصية تتسم بالحسم، والحسم السريع. ففي السياسة والدبلوماسية والأمور الاستراتيجية الضخمة يتردد الزعيم بين أخذ ورد، وذهاب وتراجع.. بينما الملك سلمان بقلب قوي، وعقل تسلق جبل القادم من الزمن فعل ذلك بثبات وشجاعة وسرعة.
إذن نحن في دولة سريعة من الآن وصاعدا، وهناك معنى مضمن لنا كأفراد ومؤسسات وجمعيات مدنية وأهلية أن نشارك في “الرتم” السريع.. وإلا فإن القطار السريع لا يقف إلا بأوقاتٍ مضبوطة، إن لم تلحق بها.. فستبقى في كمين الماضي.
والله ولي التوفيق..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي