رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مآثر تذكر فتشكر

يوم الجمعة الماضي ودعت المملكة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي رحل إلى جوار ربه بعد مرض ألم به حتى أصبحت عبارته الشهيرة: "ما دامكم بخير أنا بخير" التي قالها بعد إجراء العملية عبارة سارية على الألسن مثلها مثل الأمثال الدارجة التي يرددها الناس للتعبير عن أمر من الأمور. منذ بدأت الكتابة في الصحف حاولت أن أركز على التعبير عن تطلعات الناس التي ألمسها بالمشاهدة والملاحظة أو مما أسمعه من الناس في المجالس، متجنبا المدح الذي قد يساء تفسيره من القارئ ويعد مضللا في الوقت ذاته للمسؤول الذي يجب من المصلحة العامة والخاصة أن يعرف الحقيقة والواقع كما هو لا كما يُصور له.
انطلاقا من "اذكروا محاسن موتاكم" رغبت في ذكر شيء من المآثر الحسنة، ويمكن تقسيم المآثر إلى قسمين: شخصيته، والمشاريع والبرامج الداخلية، والتنمية في المجالات كافة، شخصيته اتسمت بسجايا، وخصائص البساطة، وقربه من الناس، وبما فيه من عفوية، ما انعكس على الناس في محبته، إذ ترجم الحب في الدعاء له، والترحم عليه، أما على صعيد التنمية الداخلية، فلعل أهمها، وأبرزها مشاريع توسعة الحرمين الشريفين لزيادة طاقتها الاستيعابية للزوار، والحجاج، والمعتمرين، إضافة إلى مشروع رمي الجمرات الذي خفف على الحجاج، وعلى الأجهزة ذات العلاقة ما كانت تعانيه من صعوبات جمة في التنظيم، حتى اختفت بفضل الله المآسي التي كانت تتكرر في كل موسم حج.
التطوير في المجال التربوي والتعليمي تمثل في طموح واسع وكبير عبر عنه في إحدى خطبه، حيث أشار إلى ضرورة تطوير التعليم، والمناهج الدراسية، بالشكل الذي يسهم في نمو، وتطور المجتمع وسعى إلى ترجمة هذه الرغبة إلى أفعال حين تبنى مشروع تطوير التعليم في مرحلته الأولى التي رصد لها تسعة مليارات ريال والثانية التي رصد لها 80 مليار ريال، ومع أن آثار مشروع تطوير التعليم لم تظهر بعد على الرغم من أنه مر على مرحلته الأولى عقد من الزمن ولأسباب ربما تعود لإدارة المشروع إلا أن المؤمل أن نلمس آثار المرحلة الثانية.
لم يقتصر الاهتمام في التعليم على التعليم العام، بل امتد للتعليم العالي إذ تضاعف عدد الجامعات في عهده -رحمه الله- حتى افتتحت جامعات في المحافظات تيسيرا وتسهيلا على أبناء الوطن أين ما كانوا للالتحاق بالتعليم العالي، كما أن إنشاء جامعة العلوم والتقنية التي حملت اسمه تمثل منطلقا لتأسيس قاعدة بحث وتطوير علمي بعقول وطنية، يضاف لذلك تأسيس جامعة الأميرة نورة التي ضمت شتات كليات متفرقة في كيان واحد وتحت إدارة واحدة ومكان واحد لتمثل معلما من معالم الوطن التي تعكس اهتمام الدولة بالمرأة وتعليمها. أما برنامج الملك عبدالله للابتعاث فإنه يمثل بصمة واضحة، إذ استفاد منه مئات الآلاف الذين سيسهمون في خدمة الوطن.
في مجال التنمية الاقتصادية امتد اهتمام الراحل الملك عبدالله لاستحداث المرافق الاقتصادية والتصنيعية التي تؤسس لمستقبل اقتصادي قوي ينقل المملكة من الاعتماد على النفط إلى تنويع مصادر الدخل، ولعل المدن الاقتصادية التي تبناها وباشر إنشاءها في مناطق عدة من المملكة تمثل توجها واعيا لما بعد النفط، إضافة إلى إسهام المدن الاقتصادية والصناعية في معالجة البطالة وتمكين الشباب السعودي من إدارة اقتصاد الوطن والإمساك بمجالات التنمية كافة. مدينة الملك عبدالله التي شرع في بنائها في العاصمة الرياض منذ سنوات يؤمل أن تكون رافدا اقتصاديا قويا ولعله من المناسب الإشارة إلى ضرورة البدء في إعداد وتدريب الشباب السعودي لإدارة هذا المرفق الضخم في كل المهن التي ستوجد داخل المدينة بدلا من الانتظار ليتفاجأ الناس فيما بعد بكوادر أجنبية متسلحة بالخبرة والمهارات تحتل الصدارة وتجني الثمار.
التنمية المحلية طالت الاهتمام بالمواصلات العامة خاصة القطارات ولعل قطار المشاعر، وكذلك قطار الحرمين، إضافة إلى مشاريع القطارات في المدن الرئيسة تمثل اهتماما بالغا من الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز. من المؤكد أن بعض هذه المشاريع لم تظهر نتائجها بعد وقد تحتاج إلى وقت لكن بذورها غرست في عهده وسيشهد له التاريخ بذلك.
الانتقال السلس للسلطة بعد رحيل الملك عبدالله إلى ولي عهده سلمان بن عبدالعزيز يمثل إنجازا للوطن المحاط بالاضطرابات التي لا حدود لها من اليمن جنوبا إلى العراق في الشمال الشرقي إلى سورية، مع مطامع إقليمية وعالمية.
برحيل الملك عبدالله تسلم المسؤولية الملك سلمان بن عبدالعزيز ونسأل الله الرحمة للفقيد ولخلفه العون والسداد لأن ما ينتظره من ملفات داخلية إصلاحية واجتماعية وتنموية إضافة إلى التحديات الإقليمية والعالمية ليست بالأمر الهين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي