الملك سلمان والتصدي للهم الاقتصادي
لا قلق سياسيا لدينا في بلادنا، فبرحمة الله ومنّته ثم بحكمة الأسرة المالكة والتفاف المواطنين من حولها يتم انتقال السلطة بسلاسة من ملك إلى آخر خلال سويعات، وجاء عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ــــ ليؤكد أن هذه السلاسة ليست محصورة على انتقال الحكم بين أبناء المؤسس ـــ رحمه الله ــــ وإنما السلاسة ذاتها تكون في مرحلة انتقال الحكم للأحفاد حين اختار ـــ حفظه الله ــــ الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد بالتزامن مع تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز وليا للعهد ليقفل بذلك باب الشائعات والتكهنات والتخوف من صراعات السلطة بين الأحفاد الذي كان يخشاه البعض.
الاستقرار السياسي والانتقال السلس للسلطة واستمرارية الحياة على وتيرتها في لحظات رحيل أعلى الهرم السياسي إلى ـــ رحمة الله ـــ نعمة كبيرة نستشعرها جميعا ونحمد الله عليها ليلا ونهارا ونشكر عليها قادتنا جزيل الشكر سائلين الله لهم التوفيق والسداد.
نعم إنها نعمة كبيرة نستشعرها ونحن نرى الصراعات السياسية في الدول العربية من حولنا كاليمن والعراق وسورية وليبيا ولبنان التي بات معظمها في حكم الدول الفاشلة وما ترتب على ذلك من دمار شديد ووقف للتنمية وانتشار الجوع والمرض والفقر والبطالة والقتل وفقدان الأمن والأمان، ونحن نرى أيضا أن هذه البلدان العربية ونتيجة للصراعات السياسية الدموية دخلت في أنفاق مظلمة لا بصيص نور في آخرها.
ماذا يقلقنا إذن؟ لا شك أن ما يقلقنا هو الشأن الاقتصادي واستمرارية ارتهان اقتصادنا لأكثر من ستين سنة على الأقل لمصدر رئيس واحد هو البترول المتذبذب الأسعار والذي أصبحت أسواقه تشهد تنافسا شديدا من قبل منتجيه بجميع أنواعه، بالتزامن مع تداخل المتغيرات الاقتصادية والسياسية في تحديد أسعاره صعودا وهبوطا، والذي بدأت مراكز الأبحاث الدولية والمصانع في البحث لبدائل عنه باتت تهدد أسواقه بصورة أو بأخرى.
جميعنا نتمنى اقتصادا مستداما بالخروج من ضيق القطاع الاقتصادي الواحد إلى آفاق أوسع كما هو الحال في الدول المتقدمة، حيث تلعب جميع القطاعات الاقتصادية دورها في رفد الاقتصاد بالدخل والوظائف والمنتجات والخدمات، وجميعنا نتطلع لاستثمار إيرادات البترول الكبيرة التي حبانا الله بها لتحقيق هذه الأمنية التي يشكك الكثير في تحقيقها لعدة اعتبارات برامج الإصلاح الاقتصادي التي تستهدف تحقيق هذه الأمنية على استحياء.
في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ رحمه الله ـــ ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير ظنه البعض أنه دائم بينما ظنه المختصون أنها حالة استثنائية وفي كلتا الحالتين حقق لبلادنا إيرادات كبيرة وغير مسبوقة أنفقتها الدولة ـــ رعاها الله ــــ بسخاء على مواطنيها بالاستثمار في تنمية الإنسان السعودي وسيلة التنمية وغايتها من خلال التوسع في التعليم بجميع أنواعه وتطويره لمستويات معيارية دولية وكذلك بالاستثمار في الأصول الرأسمالية والبنى التحتية وتطوير الكثير من القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية، ورغم ذلك الإنفاق ما زلنا لا نلمس برامج فاعلة ومتكاملة لتحقيق استراتيجية تنويع مصادر الدخل التي نصبو لها وما زالت تقلقنا.
لا أخفيكم أن الكثير من رجال المال والأعمال يشعرون أن هناك عدم اهتمام واضح بتنمية القطاعات الاقتصادية وتحفيز رجال الأعمال لتوطين الاستثمارات المحلية وجذب الاستثمارات الدولية وعقد الشراكات المحلية والدولية لتوطين صناعات نوعية تعتمد على الميزة النوعية لبلادنا بما في ذلك نسبة الشباب العالية، وكثير منهم لا يرى أي دعم لأساس التنمية الاقتصادية وهي المنشآت الصغيرة والمتوسطة الموظف الأكبر والمولد للشركات الكبرى متى ما وجد البيئة الحاضنة والمحفزة في إطار دورات اقتصادية متكاملة وتمويل وفق شروط محفزة، بل إن معظمهم يرى ضغطا هائلا يمارس على شركات القطاع الخاص لمعالجة قضايا بشكل جزئي دون نظرة اقتصادية شاملة للاقتصاد الكلي للبلاد.
انخفاض أسعار النفط جعل المسؤولين في الأجهزة الحكومية يخشون تخفيض الموازنات، ورجال الأعمال يخشون أثر ذلك التخفيض في الحراك الاقتصادي. والجميع متخوف حتى من وضعوا مدخراتهم في الأسهم أو العقارات، فهم متخوفون من انخفاض قيمتها بسبب انخفاض أسعار النفط وهو أمر متوقع بل مؤكد إذا استمر الانخفاض لسنوات عديدة.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز كما نعرفه رجل علم ومعرفة ودراية وبحث واستشراف وحزم وحسم كما أنه رجل قرار، وأعتقد أن القضية الأولى في سلم أولويات بلادنا اليوم هي القضية الاقتصادية وكيفية تفعيل القطاع الخاص ليلعب دوره الكبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لنخرج من الاعتماد الكلي على النفط إلى الاعتماد على قوة القطاعات الاقتصادية الأخرى كافة خصوصا تلك ذات الميزات النوعية.
ختاما لقد عودنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ــــ على عرض همومنا واهتماماتنا وطرح الآراء والمقترحات للتصدي لها. ولا شك أن الهم والاهتمام الأكبر لكل مواطن سعودي ينظر لمستقبل أبنائه وأحفاده هو الهم الاقتصادي ونرجو من مقامه الكريم التصدي لهذا الهم بما يزيله من جذوره من نفوسنا جميعا وكلنا ثقة بذلك.