المؤشر الإسلامي .. العربة التي تقود الحصان
يأخذ بعض الناقدون الاقتصاديون على المصارف والنوافذ الإسلامية الاسترشاد بمعدلات الفائدة السائدة عند تسعير عمليات التمويل الإسلامي المتعددة، كالمرابحة للأمر بالشراء والمرابحة الآيلة للتورق والاستصناع والإجارة. ومن المعلوم أن متوسطات معدلات الفائدة السائدة، تمثل متوسطات الفائدة على القروض المحرمة بين عدد معتمد من البنوك، وهو ما يعتقد الناقدون بأنه يظهر عمليات المصرفية الإسلامية بمظهر محاك ومواز لعمليات المصارف التقليدية، وتدور في الفلك نفسه. ويبدو أن كثيرا من الشرعيين كانوا أكثر تفهما للواقع في هذا الموضوع فأجازوا الاسترشاد بمؤشرات الفائدة عند وضع التسعير في عمليات التمويل الإسلامي ما دامت الطريقة مباحة في الأساس وتحوي بيعا أو تأجيرا حقيقا على خلاف بسيط حول عمليات التأجير المتغيرة السعر وفقا لمؤشرات الفائدة، وذلك حول مسألة تغير السعر في الأساس لا على الاسترشاد بسعر الفائدة. ولعل الندوة التي أقيمت أخيرا في مدينة الرياض في جامعة الإمام بن سعود الإسلامية برعاية البنك الإسلامي للتنمية والتي كانت بعنوان (الأسواق المالية الإسلامية، نحو مؤشرات مالية بديلة عن معدل الفائدة) عكست كثيراً من الآراء الشرعية والاقتصادية للموضوع، وقد خلصت الندوة في نهايتها إلى عدة توصيات، لعل أبرزها هو العمل على إيجاد مؤشر إسلامي بديل لمؤشرات الفائدة السائدة.
والحقيقة إنه رغم احترامي للطرح القائم حول المؤشر إسلامي وإحساسي بأهميته من الناحية المعنوية وتأثيره في رفع النظرة الذهنية القائمة عن المصرفية الإسلامية بصفتها محاكية لنظيرتها التقليدية. إلا أن وقت الطرح وأولوياته يحتاج من قبل الباحثين إلى إعادة نظر، لعدة أسباب لعلي ألخصها عبر النقاط التالية:
أولا ـ لا بد من التأكيد على أن متوسطات مؤشرات الفائدة هي نتائج قائمة لعمليات الإقراض بين البنوك التقليدية والمؤشر ليس هو القائد الحقيقي وإنما مؤشر للقياس، فهل لدى المصارف الإسلامية سوق مشتركة للتمويل فيما بينها وبين بعضها تستطيع تلك البنوك تحديد متوسطات أسعار التمويل من خلاله؟ والإجابة على ذلك أنه عدا بعض الاتفاقيات الثنائية للمرابحة والتي لا تمثل سوقا مشتركة يمكن على ضوئها معرفة أسعار تكلفة تمويل المصارف الإسلامية لبعضها بعضا فإنه لا توجد سوق مصرفية مشتركة للتمويل الإسلامي.
الأمر الآخر، أن إيجاد ذلك المؤشر - لو افترضنا وجود سوق محركة له- اعتمادا على الصيغ الموجودة نفسها والتي تعتمد على المداينة المرتبطة بالزمن سواء كانت مرابحة أو تورق أو إجارة أو حتى استصناع يعني أن تلك المؤشرات إن ظهرت ستقترب بشكل كبير- إن لم تساو - نظيرتها التقليدية، كما أن المنافسة القائمة بين المصارف الإسلامية والتقليدية ستجعل تلك الأسعار في نهاية المطاف متطابقة، خصوصا إذا ما أدركنا حجم التمويل الإسلامي في العالم بشكل عام مقارنة بنظيره التقليدي. والحقيقة أن ما ذكر ليس طعنا في المنتجات القائمة بل إن وجود هذة المنتجات هو أمر مهم وضروري– على الأقل بشكل مرحلي- إلا أن إيضاح هذا الأمر هو لبحث مدى جدوى إنشاء مؤشر إسلامي قائم بحد ذاته في الفترة الحالية، والاعتقاد بان إنشاء هذا المؤشر سيجر المصرفية الإسلامية نحو تطبيق صيغ متعددة أخرى تتوافق مع أهداف الاقتصاد الإسلامي بشكل عام مثل المشاركة والمضاربة هو أشبه بالحديث عن العربة التي تقود الحصان.
وختاما، فإن العمل على إنشاء مؤشر إسلامي طبقا لتوصيات ندوة الرياض التي أشرنا لها هو أمر جيد ولا شك يعكس كثيرا من الاعتزاز بالهوية للمصارف الإسلامية، إلا أن البدء في إنشاء هذا المؤشر قبل غيره من الأولويات يعكس شكلا من أشكال الفجوة بين الجوانب النظرية والتطبيقية في المصارف الإسلامية، والتي تتجلى أوضح صورها عبر مقارنة بسيطة بين عدد الصيغ والمنتجات المبتكرة مقارنة بعدد ما تم تفعيله منها. والأكيد أننا لسنا بحاجة إلى كثير من الأبحاث والجهود لصناعة مؤشر يتم وضعه على الأرفف إلى جانب كثير من الصيغ والتطبيقات والمعايير الإسلامية غير المطبقة، بقدر حاجتنا لتفعيل تلك الأمور أو معالجتها لتلاءم واقعنا.
ومن المؤكد كذلك أنه سواء كانت عمليات التمويل بين تلك المصارف قائمة على عمليات البيوع الآجلة أو على المشاركة وأنواعها، فإن المصرفية الإسلامية أمام تحديات كبيرة تمثل أولويات خاصة في المرحلة القادمة بدءا بتوحيد معايير مشتركة لها تقليلا للخلاف فيما بينها (لا إزالته بطبيعة الحال)، ومرورا بالتشديد على مسائل الرقابة الشرعية داخلها منعا للتلاعب باسم هذه الصناعة الناشئة والقضاء على مصداقيتها، وانتهاء بتطوير وتنظيم تعاملاتها فيما بينها عبر سوق مالية موحدة، وكذلك بينها وبين عملائها عبر استحداث صيغة متجددة ومتحررة من القيود والأفكار التقليدية السائدة، ولنلتفت بعد ذلك كله للمؤشر الإسلامي المستقل، فربما حينها لن نحتاج إلى كثير من التأمل لنعرف أن ذلك المؤشر قد رأى النور تلقائيا.