حرية الرأي على رأسي .. ولكن؟
والله، حرية الرأي على رأسي.
ولكن لحرية الرأي أيضا حدود، ولا أقول حدودك أو حدودي، أو حدودنا، بل ما علمناه من الغرب نفسه:
معنى الحرية منذ سقراط حتى بيكون مرورا بعشرات الفلاسفة، وعشرات القرون، هو هذا التعريف الشامل: "حرية الرأي لا تقيدها قوة ولا سلطة ولا حكومة بشرط ألا تخرق حدود القوانين المتفق عليها، ولا إهانة شعور الناس تعمدا، ولا التعدي على حقوق الآخرين في قول الرأي".
مرة أخرى هذا التعريف على رأسي، وأبصم عليه عشرا.
اتفقنا؟
طيب، من خلال هذا التعريف، أجمعت كل انتلجنسيا الغرب- الطبقة المثقفة والفاعلة الإعلامية- على عدم إهانة السود. والتعرض للسود في بعض الدول يصعد لمنطقة الجنايات ويعتبر إجراما. وهذا من واقع أن الإنسان لا ينقص من أجل لونه.. بل يتفوق السود في كل مجال. حتى أربعينيات القرن في أمريكا أكثر دول العالم تقدما لا يدخل السود في فرق البيسبول ولا كرة القدم الأمريكية بحجة أن الأسود لا عضلاته ولا عقله يؤمِّنون له القدرة للعب بمستوى اللاعب الأبيض. الآن بالكاد ترى لاعباً أبيض بالذات في السلة وكرة القدم الأمريكية والألعاب الأولمبية. وفي أمريكا يرتجف أي صحفي أو أي مسرحي أو أي شخص من ذكر صفة "زنجي" لأنها تعتبر كلمة عنصرية. والآن يُنتج فلمٌ عن كفاح المصلح الأسود القس "مارتن لوثر كنج" الذي قُتل برصاصة غادرة، وكل المحللين والنقاد السينمائيين يقولون إنه سيكتسح سوق الأفلام للعام 2016. وضحت حرية الرأي هنا؟ تمام!
ومن خلال هذا التعريف أيضا مسألة الأديان وحرية الأديان، وتكلم فولتير وروسو وحتى فيلسوف لا ديني معاصر هو الفيلسوف الرياضي برترند رسل، وقالوا: "تعني حرية الأديان ألا يُمنع شخصٌ أو مجموعةٌ من ممارسة الأديان التي بها يؤمنون، وألاّ يتعرضوا لما يسيئهم من قبل أشخاص آخرين ليسوا على ملتهم". هذا التعريف بالذات هو الذي تعزف عليه القوى اليهودية في كل مكان وتعدوه إلى إرثِ جنسٍ كاملٍ هو السامية. والسامية تشمل العرب واليهود، ولكن نجح اليهود أن يحتلوه لهم وحدهم كما احتلوا فلسطين. لذا أي استهزاء بأي شكل بصورة اليهودي ديناً وشكلاً وإيماءً وإشارةً لا يعتبر من حرية الرأي، بل جرم تقوم له الدنيا ولا تقعد.. فلم تتعرض مجلة أو جريدة غربية لأي رمز يهودي ولو على- كما يقول أهلنا بمصر "حتة حاخام لا راح ولا جِهْ"- وإن كان، فهم نوادر عرفنا ما "حاق" بهم وليس ما "صار" لهم.. يكفي أن عرض فلم "آلام المسيح" الذي أصرّ مخرجه الأسترالي "مِلْ جبسون" أن يتكلم أبطاله بالآرامية، وبيَّن حقيقة دور اليهود في مسألة المسيح.. وأصر على مهاجمة اليهود، فقطعوا عليه رزقه حتى زحف يعتذر عند حاخام مدينة نيويورك في المعبد اليهودي الشهير بها. تمام؟
كيف يمكن أن يعتبر ما فعلته المجلة الباريسية الساخرة حرية رأي؟ التايم الأمريكية تقول "لقد مر على بعض "الجهات" الإسلامية سنوات وهم يحذرون المجلة عن الخوض السلبي في النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- تصوروا سنوات- ولم ترتدع طبعا المجلة، بل أنزلت في السوق عددا كاملا متحدياَ، كله سخرية بنبي الإسلام.. ضاربة بعرض الحائط مشاعر ستة ملايين مسلم من مواطنيها.. أريد أحدا يقول لي ويفسر أن هذا حرية رأي طبقا للتفسير الغربي وليس تفسيرنا. وهذا ليس "تمام"!
الخاتمة: نكرر أننا ضد العنف والإرهاب، ونمقته مقتا شديدا.. ولكني أمقت أكثر من يستهزئ بأحب البشر لقلبي. لا أدعو لأي حملة ولا عنف ولا مظاهرة، كل ما كان بودي أنه لو ذهب السفراءُ المسلمون كلهم لقصر الأليزيه وأوضحوا اعتراضهم الشديد– كما يفعل غيرهم- على هذا التصرف الخارج عن حرية الرأي، والإصرار ألاّ يحدث مرة ثانية.. وهذا أيضا لصالح فرنسا.
هنا سأقول: إيه تمام!