رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ما قبل النفط وما بعده

في كل مرة أسلك فيها الطرق الطويلة مسافرا تتزاحم الأفكار وتتداعى الصور الحقيقية من تاريخ الوطن التي عاشها الآباء والأجداد، إضافة إلى الصور المتخيلة التي لا يمكن استبعاد حدوثها خاصة أن الأيام دول، ويوم لك ويوم عليك كما في المثل. وطننا الكبير معنى وتاريخا والكبير مساحة وإمكانات وقبل هذه جميعا كبير في أهله، فيه تنوع جغرافي من صحارى كالدهناء والربع الخالي ومسافات طويلة بآلاف الكيلومترات.
في كل مرة أسلك طريق المنطقة الشرقية أتساءل: كيف كان الآباء والأجداد يقطعون هذه المسافات مشيا على الأقدام وفي أحسن الأحوال على الجمال مع ما يعانونه من شح في الإمكانات من أكل وشرب ولباس، إضافة إلى الخوف من قطّاع الطرق، والسباع المفترسة. كانت الأحساء مركزا تجاريا مهما يقصده أهل نجد للتزود باحتياجاتهم الحياتية من تمر وحبوب وملابس ووقود خاصة الكيروسين الذي كان يستورد من ميناء عبادان في إيران إلى ميناء العقير.
الاستماع إلى كبار السن ممن عاشوا تلك الفترة بإيجابياتها وسلبياتها يشعرك بالفرق الشاسع بين واقعنا وواقعهم، إذ لا مقارنة إطلاقا خاصة من حيث توافر جميع سبل الحياة العصرية من سيارات صغيرة وسيارات نقل وطرق مسفلتة يسرت السفر ووفرت الوقت وقربت البعيد وأزالت الكثير من العناء والمشقة. ما سمعته ممن عملوا على الطريق للأحساء على الجمال أنه نظرا لانعدام الماء يضطرون للحفر في بعض الأماكن المؤمل وجود الماء فيها عن قرب، كما أنهم يتزودون بالماء مما يسمى بالدحول التي تكون على شكل حفرة بسيطة يتجمع فيها الماء، وتشارك الحشرات كالخنافس والجعول الإنسان فيه.
أحد الرحالة الغربيين الذي جاء إلى الجزيرة مستكشفا لغرائبها وعجائبها الطبيعية والاجتماعية يصف صحراء الدهناء وهو يعبرها بجهنم، حيث يصف حرها وسمومها بالسيوف التي تقطع وجهه حتى أنه أوشك على الهلاك عدة مرات لشدة ما واجهه من تحديات وهو القادم من مناطق باردة تكسو أرضها الأشجار والغابات وتجري فيها الأنهار ويمتع ناظريه بالشلالات. هذه الصور التي تتداعى علي كلما سلكت هذا الطريق استثارت في ذهني الكثير من التساؤلات خاصة أن حياتنا المعاصرة تعتمد اعتمادا كليا على النفط، فبمشتقاته تتحرك سياراتنا وشاحنات البضائع وبه تعمل مصانعنا وتدار مزارعنا، بل إن معظم ما في بيوتنا يعتمد على النفط بصورة أو بأخرى. الجميع يدرك أن النفط ثروة ناضبة مهما بالغنا في المدة الزمنية التي قد يستغرقها والتقارير الرسمية تؤكد أن مخزونه قد يمتد لعقود ومع ذلك هو ناضب لا محالة.
كيف سيكون حالنا دون النفط، هل سنعود إلى وسائل النقل السابقة سفينة الصحراء وغيرها من الدواب، وهل سنتكيف معها ونسير حياتنا بالشكل المناسب بعد حياة المدنية التي عشناها، وماذا ستكون حال منازلنا التي صممناها وبنيناها وفق معطيات النفط؟! رب قائل إنه لن يكون مستحيلا أن نعيش كما عاش آباؤنا من قبل ونتكيف مع المستجدات لكن هذا الرأي قد لا يصمد إذا علمنا أن الآباء لم يعيشوا حياة المدنية والرفاه ثم انتقلوا إلى حياة أكثر مشقة، بل إن حياتهم استمرت للكثير منهم على نمط ووتيرة واحدة يغلب عليهما شح الموارد وصعوبة الحياة في حين أن وضعنا مختلف فمن الصعب الانتقال من حياة الترف إلى حياة الشظف.
من السيناريوهات المتوقعة أن توجد بدائل للبترول فالعلم الحديث يطور التقنيات وغير مستبعد أن تتوافر طاقة بديلة كما في النفط الصخري والنفط الحيوي، أو أن توجد مركبات وشاحنات تعمل بطاقة الهواء أو الذرة، أو عناصر طاقة أخرى مخزنة في الأرض لم تكتشف حتى الآن. وبلادنا قد يتوافر فيها بدائل للنفط تحفظ للأجيال القادمة حياة جيدة.
لو خيرت بين استمرار حياتنا الحاضرة بإمكاناتها القائمة على النفط، أو المغامرة في المجهول لاخترت الحياة الحاضرة ولسعيت بأقصى جهد ممكن للمحافظة على النفط بدلا من الإسراف في استهلاكه، وإنتاجه بهذه الكميات الهائلة، خاصة في أوقات انخفاض الأسعار حيث نخسر فارق السعر ونخسر كمياته التي نبيعها بثمن بخس قد لا يعادل تكلفة الإنتاج، فبقاؤه في بطن الأرض يمثل ضمانة لاستمرار حياتنا وحياة من يأتي بعدنا بمستوى من الكرامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي