الاقتصاد العالمي 2015 .. توقعات وظنون

توقع المستقبل عملية تبنى في جزء كبير منها على ظنون وتخمينات لأن المؤثرات كثيرة جدا، لا يمكن لعقل بشري أن يحيط بها علما، ولكن الإنسان يعمل بما يترجح لديه، بناء على معطيات، والناس ليسوا في المهارة بها سواء، وهناك من لا يستطيع صبرا، كحال موسى مع الخضر عليهما السلام.
في التخصص الاقتصادي، توظف نظريات وأدوات الاقتصاد في توقع ما ستكون عليه أوضاع الاقتصاد في المستقبل القريب خاصة.
أول التوقعات الاقتصادية نمو الاقتصاد العالمي، والمستند الأول أنه نما في كل سنة منذ أكثر من 50 عاما، باستثناء عام 2009، حيث كان عمق الأزمة المالية العالمية، ولا مؤشرات قوية على جنوح الاقتصاد العالمي نحو أزمة مماثلة، والتوقعات التي اطلعت عليها والصادرة من منظمات ذات اعتبار عالمي كصندوق النقد الدولي و"أوبك" تشير إلى توقع نمو يتراوح بين 3.5 و4 في المائة، وهذه معدلات نمو أعلى مما تحقق في العام الماضي.
هناك مخاطر اقتصادية محتملة في هذا العام 2015، وحدوثها يعرض الاقتصاد العالمي إلى متاعب، قد تدفع النظام المالي العالمي إلى عاصفة، من أهم هذه المخاطر تكرار أزمة الديون في منطقة اليورو، وتزايد الأخطار الجيوسياسية، وحدوث هزات في سوق عملات، خاصة عملات أسواق صاعدة، جراء ارتفاع سعر صرف الدولار.
لكن تلك المخاطر المحتملة، يقابلها ظروف مخالفة التأثير، والمتوقع أنها أقوى في صافي النتيجة؛ انخفاض سعر النفط ونمو الاقتصاد الأمريكي، وتحسن الميزانيات العمومية للقطاع الخاص، وتحكم أقوى في عجوزات المالية العامة، وتحسن ملحوظ في استقرار النظام المالي، وفي إدارة المخاطر على مستوى النظام المالي وعلى مستوى الحكومات.
الأخطار الجيوسياسية واقع، وهناك وجهات نظر متباينة في مسارها، ويبدو لي أنها تسير تحت السيطرة أو تجنح إلى ذلك، ما يعني أن الخطر لا يصل إلى تعريض الاقتصاد العالمي إلى خطر كبير.
في منطقة اليورو، ما زال النمو الاقتصادي هشا نسبيا، وهناك حزمة من المعالجات، ربما كان أههما إعلان البنك المركزي الأوروبي تبني سياسة تيسير كمي مشابهة لما عمله مجلس الاحتياطي "الفد". ويرى كثير من الأوروبيين أن اليورو عملة قوية، بما لا يساعدهم على معالجة أزمتهم الاقتصادية، لكننا نرى اليورو في انخفاض مقابل الدولار، وأتوقع مزيد انخفاض له.
ماذا بشأن صعود الاقتصاد الأمريكي والدولار؟
من أسباب تفوق الاقتصاد الأمريكي على الأوروبي أن البنية الديموجرافية في الولايات المتحدة أفضل مما في أوروبا. ومن خصائص هذه البنية في أوروبا جمود أو تناقص عدد السكان، وكون نسبة القوى العاملة إلى مجموع السكان أقل مقارنة بأمريكا، ومن الأسباب أن التطور التقني والبنية السياسية في أمريكا أفضل من الاتحاد الأوروبي. ونتوقع، تبعا، تأثيرا أفضل للتيسير الكمي في أمريكا.
صعودهما، أعني الاقتصاد الأمريكي والدولار، يعني مبدئيا تحسنا في الاقتصاد العالمي، نظرا لثقل اقتصاد الولايات المتحدة. لكن لهذا الصعود جوانب أخرى؛ توقعات ارتفاع سعر الفائدة وجلب مزيد من الاستثمارات لأمريكا، وهبوط عملات دول أخرى. والذين اقترضوا بالدولار من هذه الدول، سترتفع ديونهم مقابل عملاتهم المحلية، ما يشكل مزيد عبء. من جهة أخرى، تنخفض أسعار صادرات تلك الدول، في أسواق الدول التي ارتفعت عملاتها إزاء عملات الدول المصدرة، مع الأخذ بعين النظر توقع أن معدلات التضخم لن تكون أعلى في الدول الهابطة عملاتها، بل العكس هو الأقرب.
متوقع معدلات نمو أبطأ في كبريات الاقتصادات الصاعدة، مقارنة بالسنوات الماضية، ربما الاستثناء للهند بفعل حزمة إصلاحات للحكومة الهندية الجديدة، وقد كان هذا النمو البطيء المتوقع مجال تركيز لقمة العشرين المنعقدة في أستراليا في شهر نوفمبر الماضي، وجاء التركيز على تطوير البنية التحتية للإسهام في تحسين النمو الاقتصادي، وتعهدت الدول المشاركة بصرف مئات المليارات من الدولارات على البنية على المدى المتوسط.
انخفاض أسعار النفط عامل أساسي في تحسين نمو الاقتصاد العالمي، بالنظر إلى انخفاض في التكلفة على المنتجين والمستهلكين في الدول المستوردة للنفط، وهي أكبر اقتصاد بكثير من الدول المعتمدة على تصدير النفط. سيتوافر مزيد مال لدى المشترين. ماذا يفعلون به؟ إنفاقه على سلع وخدمات أخرى، وسداد ديون، وكلاهما يسهمان في زيادة النمو الاقتصادي العالمي، إلا أن هناك سؤالا يثار في الصحافة العالمية كثيرا؛ ما مدى التزام السعوديين باستراتيجية رفض تخفيض الإنتاج؟ استمرار هذه السياسة سيعني خروج منتجين أو قدر من الإنتاج من السوق، وهذا يعني انحسارا في فائض العرض، ما يجر إلى ارتفاع أسعار النفط تدريجيا. وأتوقع أن يبدأ هذا الارتفاع التدريجي بعد شهور من الآن.
ما سبق ظنون، وقد لا تتحقق كما كان يظن أو بالدرجة التي تظن. مثلا، توقع كثيرون في العام الماضي، أو بداية هذا العام، حدوث ارتفاع في أسعار الدولار وانخفاض في أسعار النفط، لكننا لم نكن نتوقع انخفاضا يقارب 50 في المائة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي