تدمير البيئة والمتنزهات البرية: من المسؤول؟

مع تزايد السكان، وتزايد الإمكانات المادية لمعظم الناس، وتوافر التقنيات في متناول الجميع كأجهزة تحديد الأماكن (GPS) ووسائل الاتصال الأرضية والفضائية، لم يعد هناك أماكن صحراوية بعيدة عن الوصول إليها. ومن المؤسف أن الصحارى والمتنزهات البرية ستشهد تدميرا يفوق الخيال، إذا ما استمرت الحال على ما هي عليه. نعم.. من المتوقع إذا استمرت سلوكيات الناس وتجاوزاتهم على ما هي عليه في الوقت الحاضر، فإن معظم الكائنات الصحراوية بما فيها الحيوانات الكبيرة والصغيرة كالأرانب والثعالب والطيور ونحوها وكذلك بعض الأنواع النباتية ستنقرض، ولن يبقى للأجيال القادمة إلا ذكرها في الكتب والصور على مواقع الإنترنت!
وما يثلج الصدر أن أمير الرياض دشن حملة تطوعية تُعنى بحماية المتنزهات البرية المجاورة لمدينة الرياض وتعزيز الوعي لدى المواطنين بأهمية الحفاظ على البيئة وعدم تدمير الحياة الفطرية والنباتية، بل شارك بنفسه في هذه الحملة. فبناء على ما نشاهده في الروضات والشعاب والأودية المجاورة لمدينة الرياض، يتضح – بجلاء - تدني الوعي البيئي لدى كثير من مرتادي المنتزهات البرية وعدم مراعاتهم لغيرهم من المستفيدين الآخرين، وكأنهم يمتلكون حق التصرف بهذه الثروات الطبيعية أو كأنهم الجيل الوحيد الذي سيستفيد من هذه الإمكانات الطبيعية في بلادنا.
ولحماية ما تبقى من ثروات طبيعية للجيل الحالي والأجيال القادمة، فإن الأمر يتطلب تضافر الجهود ليس من طرف الحكومة فقط، بل لا بد من مشاركة فاعلة من القطاع الخاص، وكذلك وزارة التربية والتعليم، والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، وكذلك الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية، إضافة إلى الأسرة. فعلى الرغم من جهود بعض منشآت القطاع الخاص، فإن منشآت القطاع الخاص في حاجة لاستشعار دورها ومسؤوليتها تجاه التنمية عموما، والحفاظ على البيئة والمتنزهات الطبيعية والآثار خصوصا، لرد الجميل للوطن المعطاء الذي يوفر لها الإمكانات والبنية التحتية المحفزة للاستثمار، وذلك من خلال الإسهام في إنشاء جمعية أهلية تُعنى بالبيئة وكذلك دعم الحملات التطوعية كتلك التي دشنها أمير الرياض.
كما أن وزارة التربية والتعليم لم تحقق نجاحا يذكر في غرس قيم المحافظة على البيئة في نفوس الطلاب، وتعميق العادات ذات الصلة، وتكريس السلوكيات التي تدعوهم لاحترام البيئة والمحافظة عليها بمكوناتها المختلفة. وهنا تبرز بعض التساؤلات ومنها، هل المناهج الدراسية لم تركز على هذا الجانب المهم (أي المحافظة على البيئة بمكوناتها المتعددة) بالدرجة المطلوبة؟ أم أن هناك إخفاقا من قبل المعلم في نقل محتوى المناهج وتحويلها إلى قيم وسلوكيات؟ وأيا كانت الإجابة عن هذين التساؤلين، فإن هناك حاجة كبيرة إلى إجراء مراجعة جادة لدور الوزارة في غرس هذه القيم من خلال المناهج التعليمية والأنشطة الصفية وغير الصفية.
ختاما لا يمكن رفع مستوى الوعي وتحقيق الأهداف الرامية للحفاظ على البيئة ونظافة المتنزهات والحدائق العامة والشوارع، إلا من خلال وجود أنظمة رادعة وتطبيقها بصرامة من خلال استخدام تقنيات متقدمة ترصد المخالفات، مع ضرورة تقييم لدور الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، وربما النظر في إنشاء وزارة مستقلة للبيئة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي