رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


دراسة اختصاص وزارة التجارة بدقة

في الأسبوع الماضي كتبت مقالا عن وزارة التجارة وكنت أراه كافيا، لذا لم أكن أخطط لكتابة مقال آخر، لكن المقال السابق انتهى بعبارة لم تعجب الكثير وهي طلبي إلغاء وزارة التجارة، وللحقيقة فإنه يصعب قبول هذه الفكرة، وأتفق مع الجميع بأن الوزارة مهمة لتشغيل الاقتصاد السعودي. لكن لا بد لنا في المقابل أن نواجه الحقائق كما هي مجردة، فوزارة التجارة تحتاج إلى نقلة جادة ونحتاج إلى تشريح دقيق لاختصاصاتها واختصاصات الهيئات التي انبثقت عنها والهيئات التي تعمل تحت مظلتها وكذلك الهيئات التي لها علاقات متداخلة معها. فإذا كان وجود وزارة التجارة ضروريا فإن هذا التشريح أشد ضرورة اليوم، نظرا لما نعانيه من غش وارتفاع الأسعار وانهيار الشركات وفشل المشروعات الصغيرة وإغراق المنتجات سيئة الصنع.
تعرض وزارة التجارة في موقعها الإلكتروني أكثر من 37 نظاما تمثل ملفات مهمة تتعامل معها الوزارة منها 13 نظاما على الأقل تحت إشراف مباشر للهيئات الأخرى وليست تحت إدارة وزارة التجارة. فمثلا هناك تنظيم الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية، وهناك نظام الاستثمار الأجنبي الذي انتقل بكامل ملفاته إلى هيئة الاستثمار، وهناك نظام الفنادق والوحدات السكنية الذي انتقل بأكمله إلى هيئة السياحة، ونظام استيراد المواد الكيميائية وإدارتها، ونظام المحاسبين والمهندسين والمواصفات القياسية، ونظام المنافسة، ونظام الشركات الذي لم نعد نعرف من يديره. كل هذه الأنظمة وهناك الكثير غيرها، أشرت إليه في المقال السابق. نعم نشأت هذه الأنظمة جميعها في بيت وزارة التجارة وبيد خبرائها، فلما شبت عن الطوق نظرا لحجم الأعمال تم إنشاء هيئات مستقلة لها ونقل جميع الاختصاصات لها، ولكن – في اعتقادي – أن هذا النقل لم يكتمل، فما زالت الاختصاصات غير واضحة وتحتاج إلى مزيد من التشريح حتى نعرف من المسؤول عن إدارة هذه الملفات وعن الأنظمة وعن تحديثها، وحتى – وهو أقل الإيمان – نعرف من نوجه له الخطاب.
سأحاول ألا أكرر الأمثلة نفسها التي ذكرتها في المقال السابق فيما يتعلق بمدى تداخل عمل هيئة السوق المالية وهيئة الاتصالات ووزارة التجارة وكيف أن وزارة التجارة تتخلى عن صلاحياتها بلا مبرر واضح، ومن أراد الأمثلة لذلك فليرجع للمقالات السابقة بهذا الشأن. لكن التداخل لا يقف عند هذا الحد فعندما تسمع بأن هيئة الاستثمار تعمل مع جامعة الفيصل على تدشين مؤشر لحوكمة الشركات، فلا بد أن تتساءل معي، من المسؤول عن نظام الحوكمة بل عن الشركات؟ المشكلة أن الذي أصدر لائحة الحوكمة كانت هيئة السوق المالية، وليست هيئة الاستثمار، والمفاجأة أنه لا هيئة الاستثمار ولا هيئة السوق المالية لها علاقة بموضوع الشركات ونظامها، بل هذا النظام يخضع بالكامل لوزارة التجارة. وهذا المثال الحي يوضح أن هيئة الاستثمار تشعر بأنها تعمل في المجال نفسه، وهناك علاقة ما لها بهذا الموضوع، لكن لا أحد يعرف كيف يحددها بالضبط. لقد تقدم فريق من جامعة الملك خالد قبل أكثر من سبع سنوات بطلب دعم من هيئة السوق المالية لنشر وتدشين مؤشر لحوكمة الشركات ورفضت الهيئة حينها؛ لأنها تقول، إنها لا تريد أن تتورط في مؤشرات السوق، فهل أصبحت هيئة الاستثمار هي المعنية بالحوكمة ومؤشرات الأسواق وكيف على الباحثين في أي جامعة معرفة هذه العلاقات المستجدة والمتداخلة بلا أنظمة واضحة ومشرحة تشريحا شفافا ومعلنا؟
ليس هذا فحسب، فوزارة التجارة هي المعنية مباشرة بالمعادن الثمينة والتجارة بها وفقا لنظام المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، نتذكر جميعا كيف خرج مجلس الذهب العالمي من السوق السعودية في 2011م، وبعد أن تحدث عن السوق بشفافية ناقش الجميع هذه المسألة ما عدا وزارة التجارة. لقد نشرت "الاقتصادية" في حينه، أن المجلس العالمي اكتشف عيوبا ومخالفات لمعايير التصنيع العالمية في قطاع الذهب والمجوهرات داخل المملكة وضعها تحت تصنيف "نظم الإنتاج" مثل إضافة الزيركون (الزجاج) إلى المشغولات الذهبية، وأخرى تتعلق بالأوزان وعمليات غش واسعة. ومن يذهب اليوم إلى أسواق الذهب المبعثرة بفوضى في كل مكان يجد أن الوضع لم يتغير منذ خرج المجلس العالمي ولم يعد، فالأسعار تحلق في السماء بالرغم من كل التراجع الذي شهدته الأسواق العالمية، والبيع غير الشراء، بل الأشد أن يباع عيار 18 بسعر أعلى من عيار 22 بل حتى 24، وبينما لا تلتفت الوزارة إلى هذه المشكلات التي من صلب اختصاصها نراها تتابع مطاعم هي من اختصاص جهات أخرى.
وما يمكن الحديث عنه في سوق الذهب يمكن القول بأمثاله في سوق السيارات المستعملة، ولن أتحدث معكم عن مشكلات الإغراق التي واجهت الشركات السعودية وعملت عليها وزارة البترول، والتداخل بين هيئة المدن وبرنامج التجمعات الصناعية. والمشكلات التي تواجه إفلاس شركات التأمين وواجهت شركات كثيرة أخرى في السوق بينما لدى وزارة التجارة نظام (أعتقد) أنه معطل هو نظام التسوية الواقية من الإفلاس الذي كان يستطيع أن ينقذ الشركات المساهمة لو تم تفعيله بجدارة.
وحتى لا يضيع هدف المقال في أمثلة لا حصر لها ولكيلا تنتهي عزيزي القارئ إلى ما انتهيت إليه في مقالي السابق فإني أنادي بأن تتم إعادة دراسة اختصاص وزارة التجارة بدقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي