السعودية أمام خريطة طريق لمستقبل خال من النفط
زيادة أسعار الطاقة الأحفورية (غاز، نفط، وفحم) وتزايد كميات ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من جراء استعمال هذه الطاقة، أدى إلى مشكلات بيئية ومناخية عالمية عظمى، إضافة إلى حتمية نفاد هذه الموارد الطبيعية سواء خلال 50 أو 100 عام، كل هذه الأسباب أدى إلى تنامي الطلب على الطاقة النووية كإحدى البدائل للطاقة الأحفورية. وعلى مدى السنوات الخمس الأخيرة أظهرت مجموعة كبيرة من دول العالم الثالث رغبتها الأكيدة والقوية في امتلاك تقنيات توليد الطاقة بواسطة الطاقة النووية، باعتبار أن الطاقة النووية هي طاقة مجربة ومعتمد عليها في أكثر من 31 دولة في العالم منتجة ما يقارب من 7 في المائة من إجمالي الطاقة العالمية، ونحو 16 في المائة من إجمالي الطاقة الكهربائية العالمية لعام 2006، إضافة إلى استخدامها كوقود لحاملات الطائرات والغواصات الكبيرة.
بدأ التفكير الجدي في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية بعد الحرب العالمية الثانية، فتم على سبيل المثال عام 1951 في أمريكا توليد 100 كيلو وات بواسطة المفاعلات النووية. وفي عام 1954 أنشأ الاتحاد السوفياتي أول محطة نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية، وأنشأ الإنجليز عام 1956 أول محطة تجارية لإنتاج الكهرباء باستعمال الطاقة النووية. وحالياً تبقى الولايات المتحدة أكبر منتج للطاقة النووية في العالم، فقد أسهمت الطاقة النووية في توليد 20 في المائة من الطاقة الأمريكية الكهربائية، وقفزت مساهمة الطاقة النووية في توليد الطاقة الكهربائية في فرنسا لتصل إلى 80 في المائة من إجمالي الطاقة الكهربائية لتسجل فرنسا أكبر نسبة عالمية للطاقة النووية في توليد إجمالي الطاقة الكهربائية، وتزود الطاقة النووية دول الاتحاد الأوروبي بنحو 30 في المائة من الطاقة الكهربائية.
تعمل المفاعلات النووية على توليد الطاقة الحرارية بالاعتماد على بعض خواص عناصر اليورانيوم والبلوتونيوم الموجودة في العديد من دول العالم، إذ تستخدم القضبان المصنوعة من هذه العناصر كوقود في المفاعلات النووية. والمبدأ الذي تقوم عليه هو قذف نواة ذرة اليورانيوم مثلاً بجزيء صغير يسمى النيوترون ما يتسبب في انشطارها. هذا الانشطار يتولد منه طاقة حرارية عالية تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة المفاعل إلى أكثر من 600 درجة مئوية.
طبعاً اختيار المواد التي يصنع منها المفاعل غاية في الأهمية منعاً لتلف المفاعل وكذلك حرصاً على عدم تسرب المواد المشعة، ويتم نقل الحرارة العالية المتولدة من المفاعلات النووية عن طريق تمرير مركب ثاني أكسيد الكربون الذي يقوم بامتصاص الحرارة ونقلها إلى أماكن أخرى، حيث تستخدم هذه الحرارة لتسخين المياه وتبخيره لتوليد ما يعرف ببخار الماء Steam والذي عادة ما يملك طاقة كبيرة قادرة على تحريك التوربينات التي تؤدي إلى توليد التيار الكهربائي (كما هو مبين في الشكل 1). ويجب ملاحظة أن التوربينات المستعملة في محطات الطاقة النووية الحديثة هي نفسها التي تستخدم في محطات توليد الطاقة التقليدية (الأحفورية). إذاً ما تقوم به المحطات النووية ببساطة هو توليد الحرارة لتبخير المياه، تماماً كما تعمل المحطات التي تعمل على الغاز والديزل. وعلى هذا الأساس يمكن استخدامها في محطات التحلية المنتشرة في بعض الدول التي تعاني نقصاً في المياه.
في السنتين الأخيرتين تراوح سعر النفط بين 60 و70 دولارا للبرميل، وأما سعر الغاز الطبيعي في الأسواق العالمية فقد تتراوح بين 7 و10 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، وأما أسعار الديزل فقد تعدت 120 دولارا للبرميل. كل هذه الأسعار العالية للوقود الأحفوري أدى لزيادة أسعار الطاقة الناتجة عن حرق هذه الأنواع من الوقود.
من ناحية أخرى تتوقع الدراسات الاستراتيجية أن تستهلك المملكة عام 2010 ما يقارب 175 مليون برميل نفط و77 مليون برميل ديزل و96 مليون برميل من زيت الوقود لقيما لمحطات الكهرباء ومحطات التحلية، ولو افترضنا أن سعر برميل النفط في تلك الفترة 70 دولارا والديزل 130 دولارا وزيت الوقود 50 دولارا، فيصبح قيمة ما ستنفقه المملكة كلقيم لتوليد الطاقة نحو 27 مليار دولار في سنة واحدة، هذا غير الغاز الطبيعي الذي يستخدم أيضا لتوليد الطاقة، والذي من المتوقع أن يحرق منه ما يعادل 88 مليون برميل عام 2010، أي أن تكلفة الغاز قد تصل بين ثلاثة وخمسة مليارات دولار. إذا قيمة ما سيحرق من المواد الأحفورية لتوليد الطاقة في المملكة سوف تصل على أقل تقدير إلى 30 مليار دولار لعام 2010 (هذا فقط كوقود).
في المقابل فإن محطات الطاقة النووية قادرة على إنتاج الكهرباء بقيمة (4.9-6) سنت لكل كيلو وات، وهذه القيمة للطاقة تبدو ذات جدوى أكثر من الطاقة المولدة بواسطة الوقود الأحفوري، حيث إنها تستطيع أن تنافس الغاز حتى لو نزل سعره إلى 4.7 دولار لكل مليون وحدة حرارية، وأن يتنافس مع النفط حتى لو نزل سعر البرميل إلى حدود 40 دولارا (بحسب التقرير العالمي للطاقة لعام 2006).
ويجب ألا ننسى أن هناك ما يشبه الضريبة على انبعاثات مركب ثاني أكسيد الكربون (الناتجة من احتراق الوقود الأحفوري)، حيث حدد الاتحاد الأوروبي مبلغ 18.3 يورو عام 2005 لكل طن من مركب ثاني أكسيد الكربون يتم انبعاثه إلى الأجواء.
من الواضح هذه السياسات المتحسسة حيال حرق الطاقة الأحفورية، إضافة إلى زيادة أسعار المواد الأحفورية وأيضاً إمكانية استخدام المواد الأحفورية في الصناعات الكيميائية والبتركيماوية تجعل استخدام الطاقة النووية مغرياً لكثير من دول العالم.
وأخيراً يجب علينا إدراك أن الطاقة النووية مثيرة للجدل والرعب في كثير من دول العالم، وتم إغلاق مفاعلين حديثاً في كل من السويد وألمانيا، وهناك حقيقتان ماثلتان للجميع وهما حتمية نفاد النفط وأن الخروج من عصر النفط قادم لا محالة، والأخرى أن تملك مفاعلات الطاقة النووية وتشغيلها بحاجة إلى ثقافة تحتاج الدول إلى التعامل معها بعناية فائقة، وهي أن أي خطأ سيجر ويلات لا حصر لها على المنطقة بشكل عام (رغم تقدم أمور السلامة في هذه المفاعلات).
ومن هنا فإن إيجاد فريق مدرب وقادر على تحمل مسؤولية هذا العمل يجب أن يكون من أولويات الدول المتطلعة للاستفادة من التقنيات النووية كخيار استراتيجي لمستقبل قد يكون خالياً من النفط.