السعودية ترفع قدراتها في مواجهة تهديدات صناعتها النفطية
أدى إعلان وزارة الداخلية السعودية أواخر الشهر الماضي عن تفكيك سبع خلايا إرهابية كانت تستهدف من بين ما تستهدف المرافق النفطية إلى إعادة تسليط الضوء على العلاقة بين النفط والإرهاب، وهي الحرب المستمرة التي أخذت تتجه إلى خزان العالم الرئيسي من النفط الذي يحتفظ بربع الاحتياطيات العالمية المؤكدة إلى جانب الطاقة الإنتاجية الفائضة التي تمثل صمام الأمان بالنسبة للأسواق حال حدوث أي انقطاع.
ويرى كثير من المحللين أن الضربة الاستباقية التي أعلنت عنها السعودية تعني في التحليل النهائي تأكيد عزم السعودية على مواجهة الإرهاب وسعيه إلى استهداف المرافق النفطية، الأمر الذي يعكس ثقة متنامية بالنفس وأخذ لزمام المبادرة أصبح يعبر عن نفسه بالنشاط السعودي الدبلوماسي على مختلف المحاور الإقليمية من لبنان إلى مصالحة السودان وتشاد إلى استضافة القمة العربية التي أعادت طرح المبادرة السعودية لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط.
على أن النقطة الأهم في الإعلان السعودي أنه يمثل تطورا نوعيا في عمليات مواجهة الإرهابيين، فأول عملية استهداف ملموسة للمرافق النفطية من قبل الجماعات الإرهابية جرت في أيار (مايو) 2004 عند استهداف مرافق لإحدى الشركات النفطية في ينبع، وهي العملية التي تم إحباطها إذ اقتصرت على المكاتب الإدارية ولم تصل إلى أي من المناطق ذات الصلة بعمليات صناعة النفط والبتروكيماويات.
وبعد قرابة عامين جرت العملية الثانية في شباط (فبراير) العام الماضي، عندما حاولت سيارتان مفخختان دخول مجمع بقيق، وهو يعتبر من أكبر مراكز معالجة العمليات النفطية في العالم إن لم يكن أكبرها على الإطلاق، لكن الحرس تصدوا للمحاولة التي قُبرت في مهدها وقبل إحداث اختراق. ويأتي الإعلان الأخير ليشير إلى التطور في عمليات مواجهة العمليات التخريبية، فالأولى نجحت في الوصول إلى مكاتب إدارية، لكنها لم تحقق هدفها، والثانية تم إفشال هدفها وهو توصيل سيارتين مفخختين إلى مجمع بقيق، بينما الثالثة نجحت في إحباط عمليات التخطيط وقبل التحرك والدخول في مرحلة التنفيذ.
وعقب حادثة الهجوم الأولى أدلى جال لوفت مدير معهد تحليل المخاطر الأمنية العالمية بإفادة أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس، مشيرا إلى أنه من المهم اعتبار الحرب التي تخوضها الجماعات الإرهابية حرب اقتصادية في الأساس أكثر منها حربا دينية أو بين متطرفين ومعتدلين، فهي حرب اقتصادية لأنها تؤثر على الوضع الاقتصادي وعلى البلاد وقدراتها العامة بأكثر مما يتحقق عبر قتل الأفراد مثلما حدث في حوادث 11 أيلول (سبتمبر) المعروفة. وأضاف لوفت أن الصناعة النفطية توفر بطبيعتها أهدافا عديدة يمكن الاتجاه إليها لكل من يرغب. وعلى رأس هذه خطوط الأنابيب، الناقلات، المصافي، وغيرها، مقترحا أن تتجه الدول المنتجة والسعودية تحديدا بصفتها ذات القدرات الأكبر فيما يتعلق بالصناعة النفطية إلى اتباع أسلوب هجومي في التصدي للإرهابيين والعمل على إيجاد طاقة إنتاجية فائضة توفر هامشا يمكن اللجوء إليه في حال حدوث انقطاع في الإمدادات من أي دولة منتجة.
وفي أواخر العام الماضي أصدر أنطوني كوردسمان الخبير الاستراتيجي والنفطي في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، تقريرا تحت عنوان "أمن الطاقة السعودي"، تناول فيه مختلف الجوانب ذات الصلة بموضوع الصناعة النفطية واستهداف الإرهاب لها، وقام بتحليل العديد على رأسها المخاطر التي تواجه الصناعة النفطية مثل احتمال حدوث الاضطرابات الداخلية التي يمكن أن تتطور إلى حدوث انهيار أمني أو سياسي، هذا إلى جانب القضايا الأخرى ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي ولها ظلال سياسية مثل السعودة، توفير فرص العمل للشباب الداخلين سوق العمل، ونمو دخل الفرد. وهناك أيضا الجوانب المتعلقة بالصناعة النفطية نفسها، مثل عدم توافر الاستثمارات الكافية لتوسيع حجم الطاقة الإنتاجية، وتطوير الحقول النفطية، وغير ذلك من عناصر أساسية تبدو مهمة لتمكين الصناعة من القيام بواجباتها في تأمين الإمدادات للسوق التي تحتاج إليها.
ويتناول التقرير كذلك ما أطلق عليه التحديات الداخلية، مشيرا إلى المحاولة الجادة لاختراق مجمع بقيق وتفجيره واصفا إياها بالفشل، ومع أنه يشير إلى استمرار وجود القاعدة وعناصرها بصورة ما سواء داخل السعودية ودول الجوار، إلا أنها كما يرى لا تتمتع بوجود قاعدة شعبية، كما أن الأجهزة الأمنية تبدو أكثر استعدادا وتأهيلا لأخذ زمام المبادرة فيما يتعلق بالمواجهة مع الإرهابيين واستهدافهم المرافق النفطية.
ويتحدث التقرير بتفصيل كبير عن التحسن في القدرات الأمنية لمواجهة الجماعات الإرهابية، خاصة مع زيادة حجم الإنفاق الأمني، إذ يورد أرقاما عن تخصيص مبالغ تزيد على مليارين ونصف المليار دولار لبرامج مكافحة الإرهاب ووجود قوات أمنية خاصة وأخرى للطوارئ، إلى جانب تحسن وسائل السيطرة والاتصالات والقيادة بما يسمح بالتحرك خلال دقائق قليلة حال ورود أي معلومة تخص الجماعات الإرهابية واستهدافها المرافق النفطية، خاصة أن هناك وحدات أمنية خاصة لمتابعة هذه المسؤوليات، الأمر الذي يجعل من مقولة إن الصناعة النفطية تتمتع بأفضل حماية في العالم أقرب إلى الواقع، ويبدو أن هذه الترتيبات بدأت تؤتي أكلها، بدليل النجاحات الأخيرة.
وعلى الجانب الآخر هناك الاستعدادات الخاصة بالصناعة نفسها لزيادة الطاقة الإنتاجية، إذ يستشهد التقرير بتصريح لخالد الفالح نائب الرئيس الأعلى لشركة أرامكو السعودية، وأشار فيه إلى الاتجاه إلى رفع الطاقة الإنتاجية إلى 12 مليون برميل في غضون عامين، وقد ترتفع إلى 15 مليونا فيما إذا تطلبت أوضاع السوق ذلك، مضيفا أن "أرامكو السعودية" شغلت في العام الماضي 90 حفارة، وهو ضعف العدد الذي كان يعمل عام 2004، الأمر الذي يشير إلى الرغبة في مواجهة قضايا رفع الطاقة الإنتاجية مثل التراجع الطبيعي في أداء بعض الحقول، هذا إلى جانب رفع الطاقة العام لمقابلة الطلب العالمي المتنامي.