صندوق النقد يوصي الخليجيين باستراتيجية متوسطة الأجل للإصلاح الاقتصادي
أوصى خبراء صندوق النقد الدولي الدول الخليجية بتنفيذ استراتيجية متوسطة الأجل تتألف من مراحل متتابعة للإصلاح الهيكلي الشامل وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين وفي الوقت نفسه محاربة مظاهر الفقر التي بدأت تبرز في العديد من المجتمعات الخليجية، على أن تستند هذه الاستراتيجية على خمس ركائز رئيسية, أولاها ضبط أوضاع المالية العامة وتقوية الميزانية هيكليا لضمان استمرارية الإنفاق على الأجل الطويل بما يتفق مع الأهداف الاقتصادية الخاصة بتحقيق العدالة بين الأجيال، وتحصين الاقتصاد ضد صدمات معدلات التبادل التجاري، وتحسين الحوافز المساعدة على نمو القطاع الخاص. وثانيتها توسيع قاعدة القطاع الخاص عن طريق إصلاحات قانونية ومؤسسية إلى جانب خصخصة المؤسسات المملوكة للدولة.
وثالثتها, تحرير تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية الداخلة من القيود حتى يتم توفير رأس المال اللازم وما يرتبط به من أشكال التكنولوجيا لدعم عملية الخصخصة وتنمية القطاع الخاص.
كما ترتكز رابعا إلى إصلاحات سوق العمل التي تحول دون انحراف جهود الإصلاح عن مسارها الصحيح من جراء ضغوط البطالة. وتجنبا لإضعاف القدرة التنافسية، ربما يتطلب الأمر مواجهة هذا التحدي من خلال استراتيجية طويلة الأجل تستهدف تنمية المهارات اللازمة لدى القوى العاملة الوطنية. وخامس المرتكزات التي يطالب خبراء صندوق النقد الدولي باعتماد استراتيجية الإصلاحات الاقتصادية عليها هي تحقيق تكامل أكبر بين اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي وزيادة التنسيق بين سياساتها الاقتصادية.
إلى ذلك, أصدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا" "مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في منطقة غربي آسيا" سلطت فيه الأضواء على جهود دول المنطقة في محاربة الفقر باعتباره يلعب دورا رئيسيا في صنع السياسات الاقتصادية الوطنية، وبالتالي في تحديد الاستراتيجية الإنمائية لمنطقة "إسكوا".
وخرجت الدراسة بنتائج مهمة عن الارتفاع الكبير في معدلات البطالة في منطقة "إسكوا" وأنماط التفاوت المستحكمة منذ فترات طويلة في معظم بلدان المنطقة، حيث لم يعد اعتماد هدف محاربة الفقر خياراً مستحسناً فحسب بل هو خيار لا بد منه.
فالتقديرات تشير إلى أن المنطقة تحتاج إلى توليد 35 مليون فرصة عمل لائقة في العقد المقبل حتى تتمكن من بلوغ أهدافها في إعمال الحق في التنمية. ويزداد تحقيق هذا الهدف صعوبة في ظل أنماط من العمالة تجمع بين ارتفاع معدلات البطالة وحركة الأيدي العاملة بين بلدان منطقة "إسكوا" وبينها وبين سائر مناطق العالم. ومن الممكن القول إن بلداناً عديدة في المنطقة تعاني من بطالة يطول أمدها بسبب العمل بسياسات تؤدي في النهاية إلى زيادة المخاطر عوضاً عن تجنبها.
وتضيف الدراسة أن تحقيق هذه الأهداف الطموحة يتطلب تحقيق معدلات نمو أعلى وأكثر قدرة على استيعاب الأيدي العاملة من المعدلات التي شهدتها المنطقة في الماضي القريب إلا أن ذلك لن يكفي بحد ذاته. فمن الضروري إحداث تحول بنيوي في الاستراتيجية الاقتصادية لمعظم بلدان "إسكوا" مما يستلزم تهيئة بيئة مواتية على مستوى السياسة العامة، وتحقيق تحول نوعي في الظروف الاجتماعية والسياسية المحيطة بعملية النمو. ومن الضروري أيضاً معالجة المناخ الأمني في المنطقة، وتشجيع الاستثمار، وتوثيق التعاون الإقليمي بهدف ضمان نمو اقتصادي سريع يرتكز إلى كثافة فرص العمل، وتحقيق النتائج المنشودة في التنمية البشرية، والإسراع في تكييف السياسة العامة. فالوفاء بالتزامات المنطقة في تحقيق التنمية البشرية وتنفيذ التزاماتها بموجب عهود حقوق الإنسان التي وقعتها يتطلب إجراء تعديلات مهمة على صعيد السياسة الاقتصادية، والأهم من ذلك أنه يتطلب التزاماً وطيداً من الحكومات الوطنية ومن المؤسسات فوق الوطنية.
وتشير الدراسة إلى أن هذا التحول على صعيد السياسة الاستراتيجية يتطلب إرادةً سياسيةً ودعماً محلياً وخارجياً. وهذه المتطلبات يمكن استيفاؤها عن طريق التوفيق بين حشد الدعم السياسي المحلي لأهداف محددة بوضوح وقابلة للتحقيق، والتنبه إلى استخدام الأهمية الاستراتيجية التي تتفرد بها المنطقة. وإزاء هذه المهمة الدقيقة، يستحسن من الحكومات أن تعالج مشكلتي البطالة والنمو في منطقة "إسكوا" لما لهذه المنطقة من أهمية بالغة للاستقرار السياسي والاقتصادي في العالم. وعلاوة على ذلك، يستحسن أن تعمل البلدان الأعضاء جدياً على الوفاء بالتزاماتها الدولية للقضاء على الفقر والأنماط الخطيرة لعدم المساواة. كما يجب أن يُسترشد بهذه الالتزامات وبضرورة رفع مستوى الرفاه الاجتماعي في أقرب وقت ممكن عند اختيار السياسة الاقتصادية على الصعيد الوطني.
وتقول الدراسة إن تعميم سياسات من نسق واحد على الجميع في المساهمة في تحقيق هذه الأهداف قد أخفق وأسهم بالتالي في تفاقم مشاكل الفقر والحرمان والبطالة في منطقة "إسكوا". لذا تعتبر الدراسة أنه يُستحسن الإقلاع عن هذه السياسات لتحل محلها سياسات تخدم مصلحة الفقراء وترتكز إلى حقوق الإنسان. ومن المنطلق ذاته، لا يصح للدواعي الأمنية والعلاقات التاريخية مع بلدان أو مجموعات اقتصادية أكبر أن تكون مبرراً لاتخاذ خيارات غير مواتية على مستوى السياسة العامة. فكثرة الانشغال بالتحالفات الجيوسياسية القصيرة الأجل يمكن بالفعل أن تعوق قدرة بلدان "إسكوا" على معالجة المشاكل الاقتصادية المحلية الملحة. وهذا يؤدي حتماً إلى زعزعة الأمن في المنطقة وتضييق المجال المتاح على صعيد السياسة العامة للتركيز على أولويات تخدم مصلحة الفقراء.