التمذهب

التمذهب

عندما تقرأ في التاريخ الفقهي للأمة ترى أنه قد يكون في الأمة العديد من المذاهب الفقهية، ولكن الذي انضبط فيما بعد واشتهر هو المذاهب الأربعة, وقد كان الانتساب إلى أحد هذه المذاهب أمراً شائعا بلا نكير، وليس المقصود هنا بيان أن الانتساب للمذاهب حقيقة شرعية مقصودة، فإن بقاء طائفة من العلماء على قدر من الاختصاص والاستدلال بالأثر، دون اتصال بمذهب من المذاهب أمر لا إنكار فيه، ولكن مع هذا قد حصل التوارد في الانتساب للمذاهب على مر التاريخ الإسلامي، وثبت بالقطع الضروري أن المتمذهبين أكثر من غير المتمذهبين.
ومن ههنا كان لا بد من بيان حقيقة التمذهب الصحيح من ضده، فإذا فسر التمذهب على أنه نوع من التعصب وهجر السنن لقول فقيه, فمثل هذا مما يعلم ذمه بالكتاب والسنة والإجماع، سواء جاء باسم التمذهب أو غيره، إذ فيه قدر من التضييق لأفق الشريعة وسعتها، أما إذا فسر التمذهب على أنه نوع من التراتيب العلمية التي يجري عليها الفقيه ويحصل بها كف له عن التردد والتناقض في أحكامه الفقهية، فمثل هذا فيه قدر واسع من الحكمة، وصواب استعماله هو مقتضى الشريعة والعقل، بل إن المنع من التمذهب إن كان على هذا المعنى هو نوع من مخالفة ما أجمع العلماء على اعتباره على مر العصور، فإنه لم ينقل عن أعيان هذه القرون إنكاره، فمنعه بهذا المقصود فضلاً عن الطعن على أصحابه بالبدعة، أو مخالفة هدي السلف ضرب من التكلف، ولازم ذلك الطعن في عامة فقهاء أهل السنة والجماعة بعد القرون المفضلة، بل إن الناظر في التاريخ الفقهي يجد أن التمذهب بهذا المعنى مستعمل منذ عصر الأئمة، فترى جملة من الأئمة نسجوا على طريقة الكوفيين من أصحاب ابن مسعود، وطائفة أخرى على طريقة أئمة المدينة كمالك وأمثاله.
ومع هذا فالتمذهب بهذا المعنى لا يقال إنه السبيل الصحيح وحده في دراسة فقه الشريعة، وإنما هو وجه سائغ في فقه الشريعة، وليس كل ما قيل إنه سائغ لزم أن يكون هو الفاضل على كل حال، ولا سيما أن فقه فروع الشريعة على قدر من السعة في الاستدلال وموارده، بخلاف مسائل أصول الدين فهي مضبوطة بالكتاب والسنة والإجماع، والله الهادي.

الأكثر قراءة