رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تغيير «أوبك» لاستراتيجيتها

قررت منظمة أوبك في اجتماعاها الأخير يوم الخميس الموافق 27 نوفمبر من عام 2014م الحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية لأعضائها والبالغة 30 مليون برميل في اليوم. وجاء هذا القرار على الرغم من الفائض الكبير في معروض النفط العالمي. وقد أدى هذا القرار إلى تراجع فوري في الأسعار وتدنت بعض أسعار النفوط إلى مستويات تقل عن 70 دولارا للبرميل. ويبدو أن المنظمة تحاول الحفاظ على حصص أعضائها في أسواق النفط العالمية، بدلا من الدفاع عن الأسعار. ويرى بعض المراقبين أن هذا القرار هو إقرار بانخفاض قدرة المنظمة بالدفاع عن مستويات الأسعار السابقة في الوقت الحالي. وكانت أسعار النفط العالمية تحلق فوق مستويات 100 دولار للبرميل لأكثر من أربع سنوات. وقد أدت سياسات المنظمة بالمحافظة على مستويات 100 دولار للبرميل خلال السنوات الأربع الماضية إلى بعض التراجع في حصص أعضاء منظمة أوبك من أسواق النفط العالمية كما قادت إلى دعم النمو القوي في إنتاج النفط خارج المنظمة، خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية. وكان هناك اقتراح من قبل فنزويلا بخفض مستويات الإنتاج بنحو مليون برميل يوميا ولكن إدراك أعضاء المنظمة المستنيرين أن هذا الخفض لن يوقف تراجع الأسعار وأنه من السهولة على المنتجين خارج المنظمة توفير كميات بديلة خلال فترة وجيزة قلل من فرص تبني هذا الاقتراح. وبهذا تخلت المنظمة عن فكرة الدفاع عن أسعار 100 دولار في الوقت الحالي ولو لفترة مؤقتة، وذلك حفاظاً على مصالح المنظمة طويلة الأجل، التي تتطلب ضرورة المحافظة على حصص الأعضاء من تجارة النفط العالمية. وتدرك "أوبك" أن هناك نموا قويا في إنتاج النفط خارج المنظمة، كما تدرك أن خيارات خفض إنتاج أعضائها لن يقود إلى تعظيم مصالحهم، ولهذا تسعى المنظمة في الوقت الحالي إلى عدم فقد أي جزء من حصتها في الأسواق، التي انخفضت إلى أقل من 40 في المائة، ما أضعف قدرتها على التأثير في الأسعار. من ناحية أخرى، سيقود أي خفض لمستويات إنتاج المنظمة إلى زيادة التنافس والاحتكاك بين أعضائها الذين يريد البعض منهم زيادة إنتاجه فوق المستويات الحالية. ولولا الظروف الأمنية والعقوبات الاقتصادية التي تثبط زيادة إنتاج بعض الدول كإيران والعراق وليبيا لشهدت المنظمة تجاوزات عن مستويات الإنتاج الحالية. وتتوقع بعض المصادر زيادة إنتاج العراق خلال العام القادم بأكثر من نصف مليون برميل يوميا، كما أن من المتوقع زيادة إنتاج ليبيا بعدة مئات من آلاف البراميل يوميا إذا تحسنت الأوضاع الأمنية، وكذلك زيادة إنتاج إيران في حالة رفع العقوبات بصورة كلية. من جهة أخرى، فإن من المتوقع ارتفاع الإنتاج النفطي خارج المنظمة بنحو 1.5 مليون برميل يوميا في عام 2015م. ولا تقتصر أهداف المنظمة على الحفاظ على الحصص الحالية لأعضائها فقط ولكنها تسعى إلى الاستفادة من النمو الاقتصادي العالمي المتوقع، الذي سيزيد الطلب على النفط ويساهم في امتصاص الزيادات المرتقبة في حصص بعض أعضائها مستقبلاً. وقد حاولت فنزويلا الخروج بقرار لخفض الإنتاج كما دعمت بعض الدول كالجزائر فكرة خفض الإنتاج ولكن اتفاق دول الخليج على الإبقاء على مستويات الإنتاج الحالية هو الذي حظي بدعم معظم الأعضاء وكان الأقرب للقبول حتى خرج كقرار للمنظمة.
إن قرار الحفاظ على مستوى الإنتاج الحالي سيقود إلى فائض كبير في الأسواق النفطية يراوح بين مليون ونصف ومليوني برميل يوميا في النصف الأول من العام القادم، وسيستغَل جزءٌ من هذا الفائض لبناء مخزونات الدول المستوردة، خصوصا في آسيا. وتنوي بعض الدول زيادة مخزوناتها النفطية بما في ذلك الصين والهند. ومن المتوقع أن يقود باقي الفائض في المعروض النفطي إلى بقاء الأسعار عند مستوياتها الحالية لفترة من الزمن وحتى منتصف عام 2015م. وستؤثر مستويات الأسعار المنخفضة في خطط التوسع في إنتاج الزيت الخام سواء من المصادر التقليدية أو من المصادر الجديدة. وستؤثر مستويات الأسعار المنخفضة في خطط الاستثمار في المصادر الجديدة لإنتاج النفط بشكل أكبر بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج فيها، كما سيتراجع الاستثمار من أجل زيادة الإنتاج من المصادر التقليدية أو التوسع في إنتاج الحقول الحالية بسبب تراجع العائد من هذه الاستثمارات. ويبدو أن المنظمة تخلت ولو مؤقتا عن دور المنتج المرجح واستراتيجيتها في جلب التوازن للأسواق النفطية وتحاول تجربة آثار الإبقاء على حصص إنتاجها ومدى تأثر الطلب العالمي والإنتاج من خارج المنظمة بهذه المستويات. وتحاول المنظمة التعرف على مستويات الأسعار التي ستستقر عند مستويات الإنتاج الحالية ومدى التأثير الذي ستحدثه في مصادر إنتاج النفط من المصادر الجديدة، خصوصا النفط الصخري الذي يمثل تحدياً جديداً لمصالح أعضاء المنظمة. وستؤدي هذه الأسعار إلى تراجع إنتاج النفط من المناطق والمنتجين مرتفعي التكلفة، ولكن لا يمكن إحداث تغير حقيقي إلا إذا ظلت الأسعار عند مستويات منخفضة لفترة معقولة من الزمن. وتشير بعض البيانات إلى تراجع النمو الأسبوعي للحفارات المستخدمة في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة وإلى تراجع معدل نمو الاستثمار في إنتاج النفط الصخري. كما تحاول المنظمة الاستفادة من النمو المستقبلي للطلب على النفط، الذي سيسهم انخفاض الأسعار في تحفيزه وفي تحفيز النمو الاقتصادي العالمي. إن قرار "أوبك" الحفاظ على مستوى إنتاج أعضائها أكد عمق الهزة التي تتعرض لها الأسواق النفطية، الذي ستتولد عنه أوضاع جديدة تحاول المنظمة الاستفادة منها وتأكيد أهمية النفط في الاقتصاد العالمي. ومن اللافت للنظر والآثار الجديدة لتراجع الأسعار الجديد هو عدم اعتبار الأسواق العالمية مستويات أسعار 100 دولار للبرميل مبالغاً فيها كما كان في السابق. ويرى معظم المنتجين والمستهلكين أن مستوى أسعار 100 دولار عادلة، كما يرون أن أسعار النفط الحالية منخفضة، وهو ما يبشر بإمكانية عودة الأسعار إلى مستويات 100 دولار للبرميل في المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي