رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«التجارة» وجبل الجليد

بجهود معلنة وواضحة اشترت وزارة التجارة ثقة المواطن السعودي، وبعد أن نالت ثقته أصبحت المسؤولية بكل بساطة مضاعفة. الجميع يستخدم السيارات ويعاني وكلاءها، لذا من الطبيعي أن تنال جهود الوزارة في التعامل مع قضايا وكلاء السيارات إعجاب الجميع باستثناء الوكلاء أنفسهم. احترق كثيرون لسنوات طويلة من نيران المساهمات العقارية وبالتأكيد يستحق كل من اجتهد في تفكيكها جزيل الشكر والتقدير على الرغم من خسائر السنوات التي لا تعوض. ولا يُستثنى من المواطنين إلا قليل جدا ممن لم يتعاملوا مع متاجر التجزئة الكبرى التي تخوض في لعبة تخفيضات الأسعار منذ سنوات بلا رادع، لذا حازت - ولا تزال - جهود الوزارة في هذا الجانب المزيد والمزيد من التقدير والإشادة.
كسب الثقة خطوة أولية ضرورية لبدء أي علاقة بطريقة فاعلة ومؤثرة، ولكنها حتما لا تستحق المسارعة في منح الجوائز والتقديرات، لأن العمل الحقيقي يبدأ مباشرة بعد كسب الثقة. الظهور الإعلامي ونشر المجهودات مطلب مهم لكسب التأثير الذي يُمكّن لمزيد من الإنتاجية والتقدم، إلا أنه في الحقيقة يجب ألا يمثل إلا القمة الظاهرة من الجبل الجليدي. من الطبيعي أن نتوقع أن الإنجازات الظاهرة لأي وزارة – أو حتى أي جهة أخرى – لا تمثل إلا جزءا بسيطا من العمل الذي يحدث خلف الكواليس. وعليه، يخدع الآخرين ويخدع نفسه من يحاول إظهار نتائج لم يصل إليها بعد، أو من يحاول المسارعة بتجسيد كل أعماله التي تحدث خلف الكواليس، تلك التي لا ينبغي أن تظهر نتائجها بعد.
تعاملت وزارة التجارة مع الجمهور بطريقة مباشرة، ففتحت قنوات التواصل – كتطبيقات الجوال - وسهلت وصول المواطنين إليها وحسنت من مستوى وشكل خدماتها. لقد أصبحت تتحلى بالصداقة واللطف وتظهر الاهتمام بالمستهلك، وتبدي الحزم مع التاجر. وهذا يحسب لها لا عليها، ولكن هناك كثير من التساؤلات التي لا تظهر إجاباتها بوضوح بعد، تلك التي تخفيها القمة الظاهرة من الجبل الجليدي الضخم، الجبل الذي يخفي عديدا من التراكمات والعلاقات والقضايا والمستجدات.
يعج واقعنا بتضارب الأدوار وتداخلها، فهذا خبر نشر أخيرا يشير إلى أن المشرف على لجنة توطين سوق الخضار في جدة – ممثل وزارة العمل وليس التجارة – لن يسمح باحتكار بعض التجار للخضار والفواكه من أجل تحديد السعر! ومن جانب آخر تشرف وزارة التربية والتعليم على تغيير الرسوم الدراسية في المدارس الأهلية وتدير المتطلبات التنظيمية لقطاع التعليم الأهلي مؤثرة في ربحية القطاع، مما أخرج تبعا لذلك مجموعة من المستثمرين وأدخل آخرين من فئات مختلفة – نوعا وحجما - إلى سوق التعليم الأهلي. هناك كثير من قضايا الدعم التي تؤثر في التخصيص والعرض والطلب، وأقربها للذهن ما يخص الناقل الجوي المحلي الخطوط السعودية ودعم المواد الغذائية والأعلاف وغير ذلك.
إذا انتقلنا للمؤسسات الناشئة والصغيرة فسنجد أنها لا تزال في حاجة إلى كثير من الدعم في مراحل النشوء والتأسيس وفي مراحل النمو كذلك. تقع الجوانب التجارية ضمن تحدياتها العديدة التي تواجهها والتي لم يتم الالتفات إليها بقدر جيد حتى الآن، خصوصا ما يتعلق بجمع وتوفير المعلومات التجارية وضبط الأسواق وقضايا التسعير. خروج بعض المنشآت الصغيرة من السوق بعد تنظيمات العمل الجديدة يكشف عن غياب دور حمايتها تجاريا، وهي محاضن استراتيجية مهمة لتوليد الوظائف وتنويع مصادر الدخل. لا تنحصر تحديات المؤسسات الناشئة والصغيرة في الدعم المالي أو تحرير البيروقراطيات، وإنما في مسائل أخرى كثيرة تقع بطريقة أو بأخرى ضمن مهام وزارة التجارة، ولكنها تظل اليوم مبعثرة بين جهات تمويلية وأخرى تتبنى الدعم ولكن دون أي استراتيجية واضحة معلنة أو أهلية تخضعها للمحاسبة وتحملها المسؤولية.
نحن لا نتوقع من وزارة التجارة أن تخرج إلى الشارع وتحمي المستهلك أو تروج للتنافسية بطريقة مباشرة، على الرغم من الأصداء الإيجابية لهذه الأفعال إلا أن دورها يتركز أولا على القيادة والتنسيق؛ عليها في الأساس تمكين الأجهزة المستقلة التي تم تأسيسها لهذه الأغراض، ثم المضي قدما بمشاريعها الاستراتيجية التي تفكك ترهلات الماضي وتمكن أجيال اليوم من مسارعة الخطى نحو تحقيق الأهداف التنموية المعطلة. التركيز الحالي على ما يظهر من جبل الجليد مجرد استئجار مؤقت لثقة المستهلك، ولكن لن يشتري الثقة الدائمة إلا تغييرات الجوهر الهيكلية والثقافية التي تفتح الأبواب وتمهد الطرق إلى المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي