وفاة «ضمير» المسؤول
لم نفق من صدمة خزان الصرف الصحي في شارع التحلية في جدة، التي غُدر فيها الشاب منشو وطفله الشهر الماضي، حتى فجعنا قبل أيام بضحية أخرى ماتت بالطريقة ذاتها، ألا وهو الطالب عبد الله الزهراني الذي لقي حتفه إثر سقوطه في خزان للصرف الصحي بالقرب من مدرسته في جدة.
لا أدري كم من الضحايا يجب أن يموت غرقا في غرف الصرف الصحي كي يفيق "ضمير" المسؤول النائم "نومة أهل الكهف"، ويضع حدا لأغطيتها "المهترئة" التي ذهب ضحيتها عديد من الأشخاص ونجا منها بأعجوبة الكثير.
لتعرف حجم الرعب لن يكلفك الأمر إلا كتابة "صرف صحي" في محرك البحث "جوجل"، وستجد العشرات من الروابط لضحايا غرف "الصرف الصحي"، والناجون بأعجوبة منها كثر، وتحذيرات مصحوبة بالصور لتلك الأغطية "المهترئة" التي تغطي تلك الغرف مهددة أطفالنا ونحن أيضا.
من أمام غرفة الصرف الصحي التي لقي فيها الزهراني حتفه، ومع محاولات الأهالي ورجال الدفاع المدني انتشال جثمانه بدأ مقطع لم يتجاوز النصف دقيقة على صوت مصحوب بالبكاء ينادي "يا عبد الله" وانتهى بالنداء ذاته، وبينهما عشرات من "يا عبد الله".
لا أعلم من صاحب هذا الصوت في المقطع الذي تداوله نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل هو والد الشاب أم أحد أقاربه؟ لكنه للأمانة مقطع موجع ومؤلم، ويمكن أن تبكي منه الجبال الصم فما بالك بالبشر، والوحيد الذي لا يمكن أن يبكيه هذا الصوت المكلوم هو "ضمير المسؤول"، فهو لا يشعر ولا يحس ولا يمكن له أن يتأثر؛ لأنه مع الأسف الشديد ليس نائما فقط، بل أراه ويراه كثير غيري ضمن عداد الأموات.
نعم ضمير المسؤول مات وشبع موتا قبل أن يموت عبد الله والشاب منشو وطفله، ويمكن لك أن تستشعر موته من خلال حالات التنصل من المسؤولية ورميها على آخر، فالدفاع المدني تنصل من المسؤولية في تصريحات صحافية، والأمانة في جدة تنصلت أيضا، ولا أحد تحمل أو حُمل المسؤولية منذ وفاة "منشو" حتى موت الزهراني.
ومع وفاة ضمير المسؤول أصبح من الطبيعي أن تكون حياة الناس رخيصة، وأن تغطى غرف الصرف الصحي بطرق أقل ما يقال عنها "دنيئة" تبحث عن الربح المادي دون أي إحساس بالمسؤولية أو شعور بالضرر الذي قد تلحقه تلك الأغطية "المهترئة" بكل من يمر من فوقها.